يبدو أن جيلَ «خليجنا واحد» هم الأكثر تفاؤلاً بالوحدةِ الخليجيةِ من بقيةِ أبناءِ الخليج، بعدما تربَوا على أن «مصيرنا واحد… وشعبنا واحد»، وهي من أشهرِ الكلماتِ الدارجةِ على ألسنتِهم بعد أن اعتادوا سماعَها في كُلِ عامٍ يلتقي فيه قادتُهم، حتى لكأنَّها جزءٌ ثابتٌ في جدولِ أعمالِ أي مؤتمرٍ خليجي، ولعلَّي لا أُبالغُ إن قلت إنَّ تأثيرَ هذه الكلماتِ على أهلِ الخليجِ من حيث الترابط والتقارب والوحدة أكثرُ من تأثيرِ كلِ الكلماتِ وكلِ القراراتِ وكلِ الاتفاقاتِ الرسميةِ التي لا تُرَى في غيرِ المطبوعاتِ الرسميةِ والمؤتمراتِ الصحفيةِ، وكأني ببعضِ الخبثاءِ يبتسمُ قائلاً: عن أيِّ قراراتٍ تتحدث!، إنَّ كلَ ما أنجزه المجلسُ في ثلاثين عاماً هو السفرُ باستخدامِ الهويةِ الوطنيةِ!، فما زالت الحدودُ على ما هي عليه، وما زال يُزَجُّ بمصالحِ أبناءِ الخليجِ في أدنى خلافٍ، وما زالت ازدواجيةُ الجنسيةِ الخليجيةِ جريمةً في نظرِ بعضهم، كما أنَّ العملةَ الخليجيةَ الموحدةَ ما زالت تراوحُ مكانها!، لكني مع ذلك لا أستطيعُ إلا أن أعتبرَ الحديثَ عن أي دولةٍ خليجيةٍ هو حديث عنها جميعاً؛ وإن أَنسَ فلن أنسى أيامَ غزوِ العراقِ للكويت، حيث كنَّا تحت سقفٍ واحدٍ كويتيين وسعوديين: نأكلُ معاً ونشربُ معاً وندرسُ معاً ونلعبُ معاً، ولا أجدُ تعبيراً عن قوةِ الارتباطِ بين دُولِ المجلسِ هو أبلغُ مما قاله الملكُ فهد -رحمه الله- أثناء احتلالِ العراقِ للكويت: (يا نعيش سوا، يا ننتهي سوا)، لا أقولُ ذلك لائماً، أو رغبةً في استدرارِ الدموعِ، واستجداءِ المشاعر، فليس أعجز من الوقوفِ على الأطلال، والبكاءِ على الماضي، والحسرةِ على ما فات، ولا أعظمَ من الذين شعارهم: (نعطي ولا نتبع عطانا بالأقوال … نعطي ونسكت كننا ما عطينا). ما دعاني لكتابةِ هذا المقالِ هو قرارُ تسريحِ العسكريين الخليجيين والبدونِ في دولةِ الكويتِ، تلك الدولةُ المتسامحةُ جداً، التي تنعدمُ فيها العنصريةُ وتضيعُ فيها الهويةُ وتذوبُ فيها الفوارقُ ويشعرُ كلُ الخليجيين على أرضِها أنهم مواطنون كويتيون، يجدون من العنايةِ الصحيةِ والحقوقِ الأساسيةِ ما لا يجدون في أوطانِهم، حتى إنَّ كثيراً من الذين وُلدوا في الكويتِ أو عاشوا على أرضِها، التصقوا بها التصاقَهم بالوطنِ الأصلي، فلا يرون في مغادرتِها إلا ما رآه شعراءُ المهجرِ من الحنينِ إلى الوطنِ: وطني ما زلت أدعوك أبي وجراح اليتم في قلب الولد هل درى الدهر الذي فرقنا أنه فرق روحاً عن جسد ليس مستغرباً أن يكونَ قرارُ تسريحِ العسكريين الخليجيين في الكويتِ صادماً بالنسبةِ لهم، فهو قد أتى بشكلٍ مفاجئ وغيرِ متوقعٍ، وبلا أسباب واضحة، مع أنَّ المرحلةَ الحاليةَ تستوجبُ الوحدةَ الخليجيةَ، وتقويةَ الروابطِ لا فكَ الارتباطِ، فالعسكريون السعوديون في الكويتِ على سبيلِ المثالِ يُقدر تعدادُهم بحوالي (3800) عسكري في الجيشِ فقط، وإذا ما اعتبرنا أنَّ كلَ واحدٍ منهم خلفه أسرةٌ مكونةٌ من سبعةِ أفراد، فهذا يعني أنَّ أكثرَ من (26000) سعودي سيتضررون من هذا القرار، كما أنَّ له تبعاتٍ كبيرةً بل لايجوز تسريحُ العسكريين بهذا الشكلِ المفاجئ، فمن أبسط حقوقِهم أن تكونَ الفترةُ بين إصدارِ القرارِ وتنفيذه كافيةً بأن يُعيدوا ترتيبَ أوضاعهم، وهذا يحتاجُ مدةً لا تقلُّ عن الخمسِ سنوات، فلست أدري ما مصيرُ من اقترضَ قبل وقتٍ قصيرٍ من قرارِ تسريحه!، أما احتجاجُ بعضِهم بأنَّ نظامَ توظيفِ العسكريين الخليجيين في الكويتِ يقومُ على أساسِ التجديدِ لهم كل خمسِ سنوات، فإنه غيرُ منطقي، لأنه موجودٌ وغيرُ موجود، وقد جرت العادةُ أن يتمَ التجديدُ كلَ خمسِ سنواتِ بشكل آلي، حتى اعتقدَ بعضُهم أن قرارَ التجديدِ من عدمِه عائدٌ إلى أمور فنيةٍ أو مسلكية، لذا أرجو من السفارةِ السعوديةِ في الكويت أن تقولَ رأيَها في ذلك، وأن تبين ما اتخذته من إجراءاتٍ بحقِ ال(500) سعودي الذين تم تسريحُهم حتى الآن، مؤملاً من الأشقاءِ في الكويتِ إعادة النظرِ في هذا القرار، ف(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)!