رغم اختلاف الباحثين في تحديد موقع «ريدة»، إلا أنهم يتفقون جميعاً على أنها واحدة من أجمل بلدات منطقة عسير، وكانت لها مكانة تاريخية بارزة. يؤكد هذا الأمر الباحث في تاريخ منطقة عسير علي آل عوض، الذي بيَّن أن لفظة «ريدة» تنطق بفتح الراء، وسكون الياء، وفتح الدال، خلال حديثه ل «الشرق» عن موقع البلدة وتاريخها وما تمتاز به. الموقع وعن موقع ريدة، قال آل عوض: إن محمود شاكر حدده بشكل عام، فقال: «إنَّها تقع إلى الغرب من مدينة أبها»، أما ابن مسفر فحين أتى لتحديد موقعها ارتكز على جبل الطور، المطل على تهامة، وقال إنها «تقع في سفوح جبل الطور الغربية»، أما الشيخ النعمي فحدَّد موقعها بأنها «في الأغوار الغربية من الحفير»، (الحفير معقل من معاقل بلدة السقا، وصفه قائد عثماني أنه يقع «على قمة مرتفع ريدة»، كما وُصف بأنه مطل على «ريدة من جهة السقا الغربية»، وبه عدد من الحصون لأمراء عسير). وأضاف: رفيع حدد موقع ريدة تحديداً ولا يبتعد فيه عن تحديد ابن مسفر، وقال إنه «في صفاح الجبال الغربية مما يلي السقا»، ويلخِّص بعض الباحثين موقع هذه البلدة بأنها «تقع في تهامة عسير»، ومنتهى القول في تحديد موقعها إنها تقع ضمن منطقة الأصدار داخل النطاق الجغرافي التهامي في عسير، حيث تقع في منحدرات عقبةٍ تحمل اسم هذه البلدة. أشجار متشابكة وبحسب آل عوض، فإن ريدة تمتاز بخصوبة أرضها، وجمال طبيعتها، حيث وصفت بأنها «من أجمل قرى عسير»، إذ «لا تكاد تراها الشمس من كثافة الأشجار العالية المتشابكة»، ويُزرع في واديها «الموز لوفرة المياه فيه»، كما أنها تشتهر بإنتاج البُنِّ. أما الجبال الغربية من السقا والمطلة على ريدة، والمعروفة بالطور أو الأطوار فهي «غابة خضراء لا ترى أحجارها من كثرة ما عليها من الشجر وتكاثفه، وفيها بعض شلالات من المياه تتدفق إلى الوادي على الدوام». حصون منيعة وتعدُّ ريدة بالنسبة إلى العواصم التاريخية في عسير من أمنعها وأشدها تحصيناً، حيث تتحول في وقت الأزمات وفي زمن الحروب إلى قلعة حربية حصينة يحتمي بها الزعماء ولقد وصف بعض المؤرخين من آل الحفظي حصانة هذه البلدة بقوله: «وليس أحد يظن أن تُغلب من قلة، أو يدخل أحد حصونها، ولا يلوح في الأذهان أن يظفر عدو بفتحها». ولأجل هذه الحصانة الطبيعية التي تميزت بها ريدة، فقد أشار الشيخ النعمي إلى أنَّ ريدة كانت هي «الملجأ لأمراء عسير، عندما تلحقهم الهزيمة إذ الوصول إليها من الصعوبة بمكان». وقد كان اكتساب ريدة لتلك الحصانة مترتباً على طبيعة أرضها حيث تحيط بها الجبال من كافة جهاتها الأربع. ووصف أحد الضباط العثمانيين المشاركين في حملة العام 1288ه/ 1872م تلك الجبال بأنها عالية، وأن قممها في مجموعها تأتي على شكل قلاع مستطيلة الشكل، تحمي تلك البلدة. ويخترق تلك الجبال وادي ريدة، الذي يحمل مسمَّى هذه البلدة الواقعة على ضفته، وهو وادٍ فحل يقدم من جبال الطور، متجهاً إلى الغرب، حيث يلتقي بوادي جو آل النجيم القادم من الشمال، ليرفدا وادي الغيناء ثم وادي مربة في تهامة عسير. وتقع منازل وقلاع ريدة بشكل متدرج على سفوح الجبال الشمالية منها، وتحت تلك المنازل والقلاع، وعلى ذات السفوح تقع حقول زراعية على هيئة مدرجات تمتد حتى تصل إلى وادي ريدة، وهي تنتج عديداً من المحاصيل الزراعية، أهمها الموز، والبنُّ، والرمَّان. وتغذِّي تلك الحقول عيون جارية قادمة من جبال الطور، والجبال الشرقية والشمالية من ريدة. جامع تاريخي وتضم البلدة جامعاً تاريخياً يعرف باسم جامع ريدة، الذي أوضح آل عوض أنه يقع في أسفل منازل وقلاع ريدة، وبمحاذاة تلك الحقول الزراعية إلى الغرب منها، وأشار إلى أنه لا يمكن التكهن بتاريخ بنائه، غير أنه يمكن القول إن بناءه العتيق، الذي لا يزال ماثلاً إلى الآن، قد يعود إلى الفترة التي اكتسبت فيها ريدة حضورها السياسي والتاريخي في القرن ال13 الهجري، أي بعد عام 1238ه/ 1823م، لافتاً إلى أن المصادر تشير إلى أن عمارة هذا الجامع تمت على يد الأمير سعيد بن مسلط، وأن مما يمكن وصفه حيال هذا الجامع أنه مبني بالحجارة المصقولة، وله فناء واسع نسبياً، حيث يقع هذا الفناء غربي الجامع وجنوبه، وفيه رواق يبدو أنه كان بهدف التدريس والتعليم، باعتبار أن هذا الجامع كان له حضوره العلمي، حيث توجد في زوايا سطح الجامع مبانٍ هرمية الشكل، لعلها لغرض الزينة، وتمييز الجامع عن بقية منازل ريدة ومبانيها، ومحراب الجامع مثلث الرأس، ومنبره مُشابه له، ولكن بصورة أصغر، وهو أرفع منه بدرجة واحدة، وبداخله درجة أخرى وضعت كمستراحٍ للخطيب، والجامع مسقوف بعدد من الألواح الطويلة، والمستطيلة الشكل، تتعامد معها ألواح أكبر منها سمكاً، وتتعامد مع هذه الألواح الأخيرة مراكب طويلة ضخمة من أشجار العرعر، وهي تتكئ على أعمدة في غاية القوة، ويفصل بين تلك الأعمدة والمراكب قواعد خشبية سميكة منقوشة بشكل هندسي، تضفي على السقف طابعاً جمالياً. وللجامع نوافذ، كل نافذة عبارة عن قطعتين خشبيتين متعامدتين، ولكل قطعة منهما حزام حديدي منقوش، يعطي تلك القطع قوة ومتانة، ومنظراً جمالياً أيضاً، وتتطابق بشكل كامل طريقة تصميم تلك النوافذ مع أبواب ذلك الجامع. نهاية المكانة ويختم آل عوض حديثه عن ريدة بقوله: «ظلَّت ريدة ذات مكانة تاريخية بارزة، وذات حضورٍ سياسي حتى العام 1288ه/ 1871م، وهو العام الذي حدث فيه سقوط إمارة الأمير محمد بن عائض اليزيدي، ومقتله في ريدة على يد الحملة العثمانية الكبيرة التي وجهها العثمانيون إلى عسير، حيث كان من نتائج سقوط ريدة في قبضة العثمانيين، إصدار الأوامر بتدمير معالمها، وما زالت حتى اللحظة أطلال تلك القلاع والقصور بادية للعيان.