بعد أن جاء القرار الملكي بمنح (أرض وقرض) للمواطنين المتقدمين بطلب الحصول على القروض العقارية وما تبعه من نقل لمسؤولية المنح البلدية من وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى وزارة الإسكان، كثرت الأقاويل والتكهنات والتساؤلات لدى عامة الناس وخاصتهم، وأقصد بخاصتهم أولئك العاملين والمالكين للعقارات، حتى خرج وزير الإسكان في أكثر من لقاء تليفزيوني لشرح ما يمكن شرحه، وإن كان ناقصا وغير شاف، ومما لا شك فيه أن وزير الإسكان عندما خرج مهددا وساخطا عن ما يحدث من ارتفاع لأسعار العقارات فإنه بذلك لا يتحدث من تلقاء نفسه، وإنما يتحدث بعد حصوله على دعم حكومي جاد وعازم على حل مشكلة العقار. ولتحديد نتائج تلك التحركات الحكومية والخطط الرامية إلى توفير المسكن بيسر وسهولة للمواطن (وهذا هو الهدف)، فإن العملية يمكن قراءتها من عدة أوجه، أحدها هو الإجابة على السؤال الأكبر، هل ستنخفض أسعار العقارات؟ بالتأكيد لا توجد إجابة جازمة، بل إن تجار العقار أنفسهم لا يعلمون حقيقة الأمر، كيف لا وهم لا يعلمون ما حجم ومحتوى القرارات التي ستنجم عنها استراتيجية الإسكان المزمع عرضها على مجلس الوزراء كما ذكر ذلك وزير الاسكان، حتى وإن تسربت بعض تلك الخطط كالرسوم وبعض شروط آلية الاستحقاق، فإنها لا تعدو عن كونها مقترحا على ورق رُفع لغرض الاعتماد قد تقر أو ترفض. لا شك في أن سوق العقار تمر هذه الأيام بمرحلة ترقب وانتظار وقلق وطموح، فملاك العقارات في قلق دائم، ويتذكرون جيدا ما حصل إبان انهيار سوق الأسهم، والمواطنون الراغبون في شراء العقارات يطمحون إلى اقصى انهيار يمكن أن يكون لكي يتمكنوا من شراء منازل تؤييهم، وهناك حقائق أو ظواهر هذه الأيام يمكن قراءتها في سوق العقار، فكتابات العدل بدأت تصبح شبه فارغة وكتاب العدل بدأوا في قراءة الكتب العلمية على المكاتب استغلالا لفراغهم وهذه حقيقة، ومكاتب العقار تكاد تمر بفترة كساد فلا مشتري عقار ولا بائعه جاد، ومعظم ملاك الأراضي الخام يتنازلون الآن عن أكثر من 10% من قيمة العقار من أجل أن يتم البيع، وبعضهم الآخر قد ألغى فكرة شراء الأراضي الخام الكبيرة أو أجلها على الأقل حتى يتبين لهم ما قد يحدث. وللتفكير في أبعد ما يمكن أن يحدث جراء تلك الاستراتيجية والتنظيم الناتج عن آلية الاستحقاق أو فرض الرسوم، فإن نقل المنح البلدية لوزارة الإسكان ليس فيه حل لخفض الأسعار، فالأمانات طيلة مدة إشرافها على المنح البلدية وبكل عدتها وعتادها وخبراتها المتراكمة لم تستطع التأثير على سوق العقار ولم تستطع تطوير مخططات المنح إلا باليسير، وتلك الأراضي في الأساس غالبا ما تكون في أطراف المدن وضواحيها، فماذا ستعمل وزارة الإسكان إذا؟ ومن أين ستحصل على مبلغ يتجاوز العشرين مليارا دفعة واحدة لتطوير مخططات المنح فقط بالبنية التحتية دون البناء؟ وإن حصل ذلك وتحصلت الوزارة على هذا المبلغ فكيف ستقوم بتطوير تلك المخططات دفعة واحدة؟ وهي التي تعاني أساسا من تسيير مشاريع الإسكان التي أقرت سابقا، لذا فإن تجزئة عملية تطوير مخططات المنح يعني أن الأثر على أسعار العقار سيكون محدودا جدا نظرا للطلب العالي على الإسكان ونظرا لعدم رغبة كثير من المواطنين في السكن في مخططات المنح البعيدة نسبيا عن المدن. أما موضوع الرسوم على الأراضي، فهي مسألة غير واضحة المعالم، وفي كل بند سيخرج من هذا النظام -إن خرج- مستوى من التأثير يختلف عن غيره، والتاريخ العقاري إجمالا يقول بأن الرسوم لا تخفض العقار، وإلا لكانت دولة مثل بريطانيا استطاعت خفض أسعارها الملتهبة كل يوم، ولكن قرار الرسوم قرار عادل في كل الأحوال على الأراضي الخام وسط المدن وإن كان لن يخفض أسعارها بل سيزيدها، والسبب في كونه عادلا هو أن تلك الأراضي الخام وسط المدن تكون منتفعة من مرور الخدمات دون استخدامها وبالتالي رفع تكلفة الخدمات للأراضي الخام البعيدة، وقرار الرسوم عليها سيكفل دون شك عملية الضغط على الملاك لتطويرها وبيعها، ولكن المالك في كل الأحوال سيحمل تلك الرسوم على المستخدم النهائي، ولن يخسر ريالا واحدا في ظل الطلب العالي. إن عمق السوق العقارية في المملكة إجمالا كبير جدا، وتتوزع ملكيته على مجموعة ضخمة من الملاك، لذا فإن خفض أسعاره يستلزم باقة متنوعة من القرارات التنظيمية وليس قرارا واحدا أو قرارين، ومنها أن يتم إعادة النظر في أنظمة البناء والتملك وارتفاعات المباني وأساليب تجزئة العقارات، وكذلك النظر في نسب الاستقطاع من الأراضي وسط المدن، والتفكير مليا في نشر القطاعات الحكومية خارج المدن الكبرى والحد من العشوائية في تأسيس المقرات الحكومية وتوزيع التنمية بشكل عادل في جميع المدن، فمدينة الرياض مثلا ترتكز الدوائر الحكومية فيها وسطها وشمالها وبقرارات ارتجالية من متخذي القرار في تلك الدوائر، وغيرها كثير من القرارات التنظيمية. وكمحصلة لهذا الطرح، أعتقد بأن القرارات الجديدة المتعلقة بالمنح ووزارة الإسكان إن صدرت تنظيماتها النهائية ستهبط بالعقار بلا شك لفترة معينة وبنسبة محدودة، ولكنها ستعود في أقل من سنة إلى الارتفاع مجددا وبكل شراسة هذه المرة، ما لم تستمر حملة القرارات الحكومية التي ذكرنا بعضا منها بالصدور.