يفترض بمراكز الرعاية الصحية الأولية أن تكون الحلقة الأولى من الخدمات التي تقدمها الشؤون الصحية بالهيئات المختلفة كوزارة الصحة ووزارة الدفاع والحرس الوطني وغيرها، حيث تقوم بتقديم أفضل الخدمات الوقائية والعلاجية للمرضى كما تساهم في تخفيف الضغط عن المستشفيات لتغطي نظريا %80 من احتياجات أفراد المجتمع إلى الرعاية الصحية، وتحيل ما يفوق إمكاناتها إلى المستشفيات العامة ثم بعد ذلك تأتي الحلقة الثالثة وهي المستشفيات التخصصية. ومع أن المساحة التي تغطيها هذه المراكز عريضة من الناحية النظرية وذات نفقات محدودة لا تتجاوز %20 من إجمالي نفقات الرعاية الصحية، ولأننا نحرص دائما على أن تكون لنا ابتكاراتنا الخاصة وتركيبتنا المميزة في كل شيء، فقد ابتكرنا بديلا للحلقة الأولى وهي مراكز الرعاية الصحية، خاصة أن المراكز لا تقوم في الغالب بأكثر من الكشف على المرضى وصرف الدواء البسيط لهم ومنح الإجازات المرضية لمن يكرهون الدوام ويعشقون الغياب، والابتكار سهل جدا يكمن في أننا فتحنا صيدليات في كل شارع وممر وزنقة بحيث صارت لدينا أعداد الصيدليات بعدد البقالات وضعف عدد المغاسل والمطاعم وتكلفتها سهلة لا تتجاوز إيجار محل وتأشيرة صيدلي وأجر عامل مخالف، وهذه يمكن الاستغناء عنها، ومهمة الصيدلي أن يأتيه المريض ويشكو له الحالة فيصف العلاج ويناوله بدون فتح ملف وبطاقة عائلة وتوقيع المدير والمساعد وطوابير الانتظار وغيرها، وعبقرية الصيدلي لا تكلف المريض عناء شرح الحالة أو الكشف عليه لأنه يعتمد في وصف العلاج على ثلاثة أشياء أولها بضع كلمات من المريض ويستنتج الصيدلي الباقي، والثاني قدرة المريض على الدفع، والثالث شركات الأدوية التي تعطي خصومات أكبر و(بونوس) أعلى ودعوات مجانية لمطاعم وفنادق السعودية ورحلات عائلية إلى شرم الشيخ. أما أن ننتظر من مراكز الرعاية الصحية الأولية برامج التثقيف الصحي والتطعيم ورعاية الأمهات الحوامل والأطفال وتحسين مستوى التغذية والوقاية من الأمراض وتسوس الأسنان وأن يتحول المركز إلى طبيب العائلة وملاك الرحمة للمجتمع المحيط به فيحتاج إلى طفرة ثالثة بعد أن مرت الأولى سريعا ومازلنا في وسط غبار الثانية!