أبها – عبده الأسمري سؤال عن علاقتي بالمضيفات ساهم في قبولي طيارا أرغمني والدي على شرب الجزر بكثرة كي أنجح في اختبار النظر حفظت القرآن على متن الطائرة ضعف بعض المشايخ والمثقفين هو بسبب قلة القراءة ليس سهلاً أن تكون داعية ومفكرا إسلاميا وتحمل درجة الدكتوراة إلى جانب امتهانك واحدة من أشق المهن وأكثرها تطلباً للتركيز، لكن هذا هو حال الكابتن الطيار الدكتور محمد الشريف، الذي قادته الهواية إلى تعلم الطيران، ليجنح به العقل والقلب إلى حلقات الذكر وحفظ القرآن والدعوة وتعلم فقه الدعوة وتأليف الكتب. يقول الشريف في حوار خاص ل «الشرق» إن مدير ثانوية الثغر في جدة وراء تأليفه الكتب، وأنه ألف ثمانين كتابا في 22 عاما، مستذكراً معاناته من الصد والعنصرية والاستعلاء في دراسة تخصص الشريعة في أبها، مشيراً إلى أنه ضحّى براتب ستة أشهر في الخطوط السعودية من أجل مواصلة دراسته العليا، وأن الشفاعات والوساطات هي التي أسهمت في دخوله كلية الدعوة رغم تعنت عميدها. وفيما يلي نص الحوار كاملاً: * صف لنا تفاصيل دخولك مجال الطيران المدني؟ - تخرجت في القسم العلمي في شعبان سنة 1399/1979، ثم يممت وجهي شطر معهد الطيران، على كثرة الفرص التي سنحت لي آنذاك، فمجموعي في الثانوية العامة كان قرابة 92% وكان هذا المجموع -آنذاك- يسهل لي دخول أية كلية أريد، وكذلك سنحت لي فرصة الابتعاث لدراسة الهندسة بشفاعة الدكتورة فاطمة نصيف الداعية المشهورة في مدينة جدة -حفظها الله تعالى- لكن كل ذلك لم يلق قبولاً عندي ولا صدى في نفسي؛ وذلك أني أزمعت منذ المرحلة الابتدائية على الالتحاق بمعهد الطيران، ولم أُمَنِّ النفس بغير ذلك، وعزمت على ذلك عزماً تتضاءل أمامه أية رغبة في دراسة شيء آخر، وأذكر أني نُصحت بعد التقديم في الطيران وقبل ظهور النتائج أن أُسجل في أية كلية لضمان الدراسة إذا لم أُقبل في الطيران، فسجلت في كلية العلوم، ودرست بضعة أسابيع فيها، فلا أذكر أني عانيت من دراسة قط، ما عانيت في الدراسة في تلك الأسابيع، ولم أملّ منها قط مللي في تلك الأسابيع، فلما ظهرت النتيجة بالقبول في الطيران سارعت فرحاً بالخروج من الكلية غير آسف عليها، حتى أني لم أسحب ملفي، ولم أفعل أي شيء يشعر إدارة شؤون الطلاب بعدم رغبتي في المواصلة، وهذا يدل بوضوح على أن الطالب إذا لم يحب المادة التي يدرسها، والتخصص الذي وجد نفسه مرتبطاً به على غير رغبة منه فإن الدراسة تكون عليه ثقيلة، ومملة ولا جدوى منها، والله أعلم. وقد كان عدد المتقدمين في أيامي خمسة آلاف قُبل منهم ستون، ووضع للمتقدمين اختبار تحريري فيه أربعة أقسام: قسم للذكاء، وقسم للغة الإنجليزية، وقسم للفيزياء والآلات، ونسيت القسم الرابع، ثم بعد الفراغ من الاختبار التحريري تقدمت للمقابلة الشخصية، وأذكر أن المختبرين سألوني عن عدد المحركات في طائرة ال 707، فقلت لهم لا أدري لكن في جناحها نتوءات بارزة عديدة فضحكوا وأخبروني باسمها ووظيفتها، وأنها ليست محركات، ثم سألني واحد منهم كيف ستكون علاقتك بالمضيفات، ولا أدري لم سألني هذا السؤال فلم يكن في لحيتي شعر إلا القليل جداً مما لا يذكر، ولربما كان لطريقة لبسي مدخل في هذا، فأجبته بأنهن زميلات في العمل، وربما أراد الله -تعالى- مني أن أُجيب بهذه الإجابة ليقضي أمراً كان مفعولاً، وتكلم معي واحد من المختبرين باللغة الإنجليزية. ثم بقيت بضعة أيام إلى أن خرجت النتائج وكنت من المقبولين، فأحالوني إلى الكشف الطبي، وأذكر أن الممرضة طلبت مني أن أضع عيني على فتحتين يرى منهما المرء ما يريد الطبيب اختبار عينيه به، وكانت عدة اختبارات منها اختبار الحول، وليس بي حَوَل ولله الحمد لكن الآلة لم توافق على هذا! وأُخذت إلى طبيب أمريكي فأجرى لي اختباراً بقلم كان معه وطلب مني أن أُتبعه ببصري ففعلت فعلّم على ورقتي بالنجاح. ومن اللطائف أن إعادة اختبار الحول كانت في اليوم التالي، فلما ذهبت إلى البيت وعلم الوالد -رحمه الله- تعالى- بما جرى سارع بشراء جزر كثير وطلب من الوالدة عصره لأشربه بكثرة حتى أنجح في اجتياز الاختبار، وكان يحثني على الشرب بقوله: اشرب فإن الجزر يقوي النظر. والجزر لا علاقة له بالحول لكن الوالد -رحمه الله تعالى- كان بالغ الحرص على توفير كل ما أحتاجه في حدود طاقته، وكان هذا جزءاً من طريقة كبيرة آنذاك منحني إياها وهو سعيد رحمه الله تعالى وغفر له ورفع درجته. * يقال إنك صديق مخلص للكتاب وقارئ نهم، كيف تجمع بين مسؤولياتك كطيار وباحث شرعي والقراءة؟ - لم يكن لي في صباي طريقة للقراءة فقد كنت أقرأ على غير منهج، وعلى غير هدى، فلما تحولت إلى قراءة الكتب الشرعية والثقافية لم يكن لي طريقة محددة لبضع سنين سوى أني أضع على ما لا أفهمه علامة، ثم إني بعد فراغي من قراءة الكتاب أضع عليه اسمي وسنة فراغي من قراءته، وهذا أمر مهم لأن فيها حفظاً لمراحل القراءة وتدرجي فيها. ثم لما تعمقت في القراءة رأيت أن أضع علامة على المواضع المهمة في الكتاب حتى أعود إليها فيما بعد، وقد أفادتني هذه الطريقة فيما بعد، فقد كنت إذا أردت الرجوع إلى كتاب قرأته من قبل فإني أقلب صفحاته لأعرف المواضع المهمة فيه. ثم إني انتهيت في القراءة إلى وضع فهرسة خاصة لفوائد كل كتاب أقرأه غالباً، كبر الكتاب أو صغر، وسواء كانت الفهرسة مطولة أو موجزة، وذاك الفهرست هو العمل الأرضى عندي في باب القراءة؛ وذلك لأن الفِهرْست يُعد خلاصة ما في الكتاب، فإذا أردت العود إليه فإني أكتفي بمطالعة فهرست الفوائد، وهذه الطريقة ساعدتني كثيراً في كثير من الحلقات التي سجلتها في القنوات الفضائية، فقد كنت إذا طُلب مني التسجيل في موضوع ما فإني أرجع غالباً إلى الكتاب الذي قرأته قديماً في الموضوع نفسه وأكتفي بمطالعة فهرست فوائده لأستحضرها في ذهني مرة أخرى. وقد ساعدني -بفضل الله تعالى- نظام عملي وكثرة خروجي من البلاد على القراءة المطولة؛ إذ إن أكثر الناس اليوم يتعلل لضعفه في باب القراءة بقلة الوقت، وأنه إن وجده فسيصرفه في عمل آخر أجدى وأهم في ظنه، أما أنا فأجد للقراءة الطويلة محلاً من وقتي، ومكاناً من قلبي، فاللهم لك الحمد، وأرى أنه لابد لدعاة الإسلام ومشايخه وسائر المثقفين من القراءة المطولة التي تعود عليهم بفوائد جمة، وأرى أن الضعف الفكري والثقافي الذي يعاني منه أكثر أولئك الذين ذكرتهم سببه قلة الإقبال على القراءة، وسرعة الملل منها، وعدم العكوف الطويل عليها، والاكتفاء بصفحات يسيرات كل يوم أو أسبوع. * هل تمارس الكتابة أو التأليف أثناء وجودك على متن الرحلات كمساعد الطيار أو وجودك بين فريق عمل أو دورات وخلافها؟ - مكنني الله -تعالى- من الجمع بين طلب العلم الطبيعي التقني والعلم الشرعي، وذلك -والله تعالى أعلم- لأن دراستي الطيرانَ وعملي بعد ذلك طياراً مكنني من ذلك، وهذا لأن دراسة الطيران سهلة إذا قُورنت بدراسة الطب والهندسة مثلاً، ولأن معدل عمل الطيار هو من 15 يوماً إلى 18 يوماً وباقي الشهر إجازة، وإنما قلت هذا لأن كثيراً من الناس سألني: كيف جمعت بين الأمرين، ومرادي مما سقته آنفاً أن بعض طلاب العلم الطبيعي قد لا يستطيعون صنيع الشيء نفسه على أنهم ربما كانوا أذكى مني وأجود قريحة وأحسن فهماً لكن تخصصاتهم العلمية لا تسمح لهم بوقت فراغ طويل نسبياً يُمكنهم من صنيع ما وفقني الله -تعالى- لصنيعه، وذلك نحو الأطباء والمهندسين ومن يماثلهم في صعوبة الدراسة والانشغال في الوظيفة، وإنما قلت هذا حتى لا يبتئس أولئك إذا أرادوا الجمع بين الأمرين فلم يمكنهم ذلك، وقد أوضحت ذلك بأبسط مما هنا في كتابي «التنازع والتوازن في حياة المسلم». * كيف جمعت بين وظيفة مهمة وشاقة وحساسة كطيار مدني وتحمل دكتوراة في العلوم الشرعية؟ الشريف في لبس الطيار المدني - عزمت على الدراسة الشرعية في جامعة من الجامعات الشرعية انتساباً، لالتزامي بالعمل في الخطوط السعودية، فنظرت، فإذا ليس هناك جامعة تقبل الانتساب آنذاك سوى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في مقرها الرئيس في الرياض، وفي فرعها في القصيم، وفرعها في أبها، فاخترت فرع أبها، وكان في ذلك خير كثير، بفضل الله تعالى، على أنني عانيت كثيراً بسبب نظام الاختبارات آنذاك؛ فقد كانت الدراسة موزعة على ثمانية فصول، وفي كل فصل اختبار نصفي ونهائي، وكان الاختبار يمتد إلى 11 يوماً وفي بعض الأحيان إلى 13 يوماً، وربما 15 يوماً، وكنت أتردد على الجامعة لتصوير المناهج من الطلاب وتسلم جدول الاختبارات، ولم يكن هناك شيء يُقضى بالهاتف تلك الأيام!. وكنت أعاني كل المعاناة مع الطلاب المنتظمين لأصور المناهج؛ فقد كان بعضهم يصدني، وبعضهم الآخر يكتب على باب غرفته في السكن: يمنع طرق المنتسبين للباب!. وبعض الطلاب كان فيهم عنصرية واستعلاء على الآخرين، والحمد لله -تعالى- على كل حال. بقيت في جامعة الإمام من سنة 1403ه إلى سنة 1407/1987 وبعد الفراغ يممت وجهي تلقاء جامعة أم القرى في مكةالمكرمة، وقدمت أوراقي عند عميد كلية الدعوة وأصول الدين!! فلم يرض تسجيلي لأني تخرجت في كلية الشريعة، وينبغي أن أواصل في الشريعة، وأن عدد الطلاب المسجلين المنتظمين كبير جداً وأنا منتسب، ثم إني من جامعة الإمام محمد بن سعود والأولى قَبول طلاب جامعة أم القرى، ثم إن هنالك عدداً كبيراً من الطلاب المتقدمين حصلوا على درجات أكثر مني، فقلت له: ألم آتك لأسجل حسب النظام، وشروطه ومتطلباته؟ فقال: بلى. فقلت: اقبلني ثم إذا لم أنجح في الاختبار التحريريّ والمقابلة الشخصية فأخرجني من البرنامج، ثم إني أحفظ منظومات في علوم القرآن وغيرها فكلية أصول الدين أقرب إلى نفسي وما أجيده، فأبى كل الإباء، فلما أيأسني خرجت من عنده حزيناً كاسف البال، فناداني وقال لي: هل تقبل أن تُسجل في قسم العقيدة؟! وهذا مناقض لاعتراضه عليّ باختلاف التخصص، لكنه وضعني في زاوية لا أستطيع الخروج منها، فأجبته بالموافقة لأني كنت أريد المواصلة في الدراسات العليا ولو لم تكن في التخصص الذي أحبه وأفضله وأريده، فهو خير من لا شيء، فأحالني إلى قسم العقيدة، ثم جئت في موعد ضُرب لي للمقابلة الشخصية، فلما لم يبق لدخولي إلا فراغُ طالبٍ واحد فقط قبلي جاءني أحد الأساتذة الفضلاء ليخبرني أنه قد شفع لي بدخول كلية الدعوة وأصول الدين، وهي الكلية التي أريد، وطلب مني مقابلة العميد، فذهبت إليه وكان يومَ سبت، وكنت قد قابلته -كما ذكرت آنفاً- يوم الأربعاء قبله، فما راعني منه إلا أنه هش وبش في وجهي، ولم أر منه ابتسامة ذلك اليوم، وقال لي: أنت تحفظ المنظومات، ومكانك الطبيعي في كلية الدعوة وأصول الدين!. وعلم الله أني قد أخبرته بهذا من قبل لكنه لم يقبل مني، فما أعظم سحرَ الوساطات والشفاعات!. وقبلت بفضل الله -تعالى- في كلية الدعوة وأصول الدين، واجتزت المقابلة والاختبار التحريري، واضطررت للخروج من الخطوط السعودية ستة أشهر من دون راتب فقد طلب مني العميد التفرغ للدراسة. وكان خروجي من الخطوط في تلك الإجازة امتحاناً لي غير يسير؛ فقد أتى بي المدير وقال لي: إن النظام لا يضمن لك العودة إلى ما كنت عليه من العمل نفسه -وقد كنت مساعد قائد طائرة آنذاك- وخوفني، لكن شوقي الكبير لإكمال الدراسات العليا صَغّر في عيني كل تخويف، وبقائي من دون راتب ستة أشهر لم يكن يسيراً عليّ لكن الله -تعالى- بفضله ومنّه نفى عني كل تلك الوساوس، وحفظني من التراجع. * صف لنا حفظك للقرآن ومتابعتك للعلم الشرعي وأنت بين الأجواء كطيار مدني؟ - كنت قد بدأت حفظ القرآن في جدة قُبيل نهاية الثانوية العامة، فحفظت في جدة سبعة أجزاء، وأكملت حفظ سائر القرآن في الولاياتالمتحدة مدةَ ابتعاثي فيها، وأذكر أني لما أردت الحفظ حدثت لي حادثة عددتها من جملة ما أنعم الله -تعالى- به عليّ، فقد أخذني أخي عبدالله نور ولي إلى أبيه مرةً فلما علم أبوه أني أخذت في حفظ القرآن العظيم فرح بهذا وهو رجل من الصالحين أحسبه كذلك، وقال لي: هذا مصحف وهو هدية لك لتحفظ منه، ثم قال لي: إذا نسيت أن تصلي أحد الفروض وتذكرتها وأنت في الفراش نَعِسٌ هل تستطيع أن تنام؟ فقلت: لا، فقال لي: عُدّ أن الله تعالى- فرض على الناس كلهم خمس صلوات في اليوم والليلة، وفرض عليك أنت مع الخمس صلوات حفظ صفحة كل يوم فلا تنم حتى تحفظها! وصنيع والد صاحبي هذا له عدة فوائد، منها أولاً: إن المصحف الذي أعطانيه موافق لعامة مصاحف بلادي، فلم يكن ترتيب طباعة المصحف على الطريقة المصرية، ولا على الطريقة الهندية، وقد كان كلا المصحفين منتشراً في جدة ذلك الوقت قبل 33 سنة، وقد تضاءل وجودهما اليوم، فلو أني حفظت من أحد المصحفين لوجدت عنتاً اليوم لقلة انتشارهما؛ وذلك لأنه من المعلوم أن الحافظ من مصحف ما يُطبع في ذهنه صورة ما حفظ منه، فيعرف الآية وموقعها من الصفحة، وفي أية صفحة هي اليمنى أو اليسرى، فلو راجع من مصحف آخر صعُب عليه الوقوف على مكان الآية، ولاختلط عليه أمر الترتيب الذي في ذهنه للآيات ومواقع وجودها. ثانياً: إن العهد الذي أخذه علي بحفظ صفحة كل يوم نفعني الله -تعالى- به في الولاياتالمتحدة حيث كنت أعاني من التعب بسبب التدريب لكني لما أتذكر ذلك العهد أحاول حفظ الصفحة مهما كنت متعباً، بل كنت أحفظها بعض الأحيان أثناء التدريب إذا كان زميلي هو الممسك بالطائرة وأكون أنا ملاحظاً له، فلم أنقطع يوماً عن الحفظ حتى أتممت بفضل الله تعالى الحفظ. الجو: طيران ومعرفة وعما إذا كانت الرحلات الجوية تساعده على التزود من علوم الدين والدنيا ، قال الشريف: عودت نفسي على القراءة في كل زمان ومكان، فأقرأ في أماكن الضجيج وبقع الهدوء، وفي الخَلَوات والجَلَوات، وداخل البلاد وخارجها، في كل الأوقات من ليل أو نهار، وفي أوقات الفرح والسرور، وأوقات الحزن والضيق والغضب والقلق، لا يمنعني من ذلك مانع -ولله الحمد والمنة- فأكسبني هذا التعود حباً للقراءة لا يعدله حب لعمل ثقافي أو اجتماعي آخر أبداً، وأجد فيها أُنسي وراحتي، بل لا أكتم القراء أني أجد صعوبة جمة في أي عمل ثقافي واجتماعي سوى القراءة وأجبر نفسي إجباراً عليه. وعما اذا كان يستغل الطيران والرحلات الجوية في تأليف الكتب أو الأنشطة الدعوية قال: رحلتي في تأليف الكتب رحلة طويلة، عمرها الآن أكثر من 22 سنة، وفي هذه السنين الطويلة ألفت قرابة ثمانين كتاباً ورسالة بفضل الله تعالى، وتحدثاً بنعمته عليّ. ولبداية التأليف سبب أذكره كأنه وليد الساعة، فقد جمعني مجلس بالأستاذ الفاضل المربي نبيل حفظي -رحمه الله تعالى، وغفر له، ورفع درجته في عليين- في حدود سنة 1410/1990، وهذا الأستاذ كان مدير ثانوية الثغر يوم تخرجت فيها سنة 1399/1979 ولذلك أُكن له الاحترام والتوقير، فقال لي: يا محمد، ألم يأن لك أن تكتب شيئاً؟ فغيرك يؤلف وأنت لا تؤلف، فعددت هذا التوجيه من الأستاذ نعمةً من الله -تعالى- عليّ، فقد افتتحت بعده التصنيف بكتاب هو أحب الكتب إلي وأقربها إلى قلبي لأنه باكورتها، وأبو بَجْدَتها وهو كتاب «استجابات إسلامية لصرخات أندلسية» ، والحقَّ أقول: إنه لم يَدُر في خَلَدِي أن أكتب شيئاً قبل حديث الأستاذ نبيل معي، وتوجيهه لي، فله الفضل بعد الله -تعالى- في هذا الباب، والحمد لله رب العالمين. رحلة لا تنسى من الرحلات التي لا تنسى أني ذهبت مع القائد بدر العليان -وهو أخ في الله تعالى صاحبته وعملت معه منذ أكثر من ثلث قرن- من جدة إلى سراييفو عاصمة البوسنة بعد الحرب الهائلة التي خاضها البوسنيون ضد الصرب والكروات وأظن ذلك كان سنة 1415/1995 ه، أو التي تليها، وكنت قائد الطائرة، وذهبنا لجلب حجاج من هنالك، وكان فيهم المفتي ونائبه وجماعة من وجهاء البلد، فكلمت النائب وسألته عن الحرب وأهوالها فقال لي مقولة عجيبة، قال لي: إن هذه الحرب علمتنا أشياء كثيرة كنا غافلين عنها أولها الإسلام!. فأكثر أهل البوسنة لم يكونوا يعرفون عن دينهم شيئاً، وكانوا متعجبين لماذا يقتلهم جيرانهم من الصرب والكروات الذين عاشوا معهم طويلاً وعاش آباؤهم مع أبائهم وأجدادهم مع أجدادهم؟. فلما تفكروا ونظروا وجدوا أن السبب هو اختلاف الدين وأنهم «ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد» فعاد كثير منهم إلى دينه، وأخذ بعض النسوة يلبسن الحجاب، فَرُبَّ محنة في ثناياها منحة، ورب ضارة نافعة، وسبحان الله العظيم ما أحسن أقداره، وما أعظم تصريفه الكون ومَن فيه وما فيه. من رحلته إلى السنغال للدعوة (الشرق)