يعتبر المفكر السعودي الدكتور توفيق السيف من أبرز المنظرين والمحللين السياسيين الذين تناولوا قضايا الإصلاح السياسي وتطور المجتمع السعودي بصورة نقدية وموضوعية من منظور وطني عام. وهو الذي جمع بين الدراسة الدينية والأكاديمية وألف عديداً من الكتب حول مختلف أبعاد التحولات الديمقراطية في البلاد الإسلامية، معالجاً فيها أوجه الاختلاف بين الإسلام والديمقراطية وباحثا في إمكانية تعايشهما. يتميز السيف بالجرأة في طرح آرائه الفكرية والسياسية، وبالحيادية في تناوله مختلف القضايا، وفي نقده الموضوعي للآراء السائدة ودعوته إلى تجديد وإصلاح الفكر الديني والسياسي في المجتمع. كما أن تجربته الطويلة في العمل السياسي ساهمت في تشكيل حصيلة معرفية عميقة لديه، وظفها في تحليل الواقع السياسي والاجتماعي المحلي وطرح برامج ومبادرات إصلاحية عديدة. في 2008م أسهم بصورة كبيرة في بلورة مشروع يعد الأهم في برامج الاندماج الوطني، قُدم إلى عديد من الشخصيات والجهات المسؤولة في الدولة، طرح فيه إمكانية إدماج المواطنين الشيعة في الإطار الوطني في المملكة، مؤكداً على أهمية معالجة هذا الملف من زاوية وطنية شاملة. خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة روتانا خليجية الأسبوع الماضي، تناول الدكتور السيف أبعاداً غاية في الأهمية في مشروع الاندماج الوطني حيث أوضح أن أهم عقبة تواجه ذلك هي عدم الانتقال في المنطقة العربية من دول الغلبة إلى أنظمة المشاركة الوطنية. كما أن غياب الإقرار بالتنوع والتعددية وتغييب مشاريع الهويات الوطنية جعل هذه المفاهيم هلامية، وسببا في حصرها في زوايا ضيقة في الفكر السياسي. من هنا يعبر الدكتور السيف عن تزاحم في الأولويات لدى النخب المثقفة والسياسية وخاصة الدينية منها بين الهوية الوطنية والانتماء الديني الذي يجعل البعد الأممي مكوناً أساسياً في مشاريع العمل السياسي. كما أن انعدام أطر العمل السياسي -يقول السيف- يؤدي بطبيعة الحال إلى الاتكاء على وسائل تعبير تقليدية أو مضطربة لا يمكنها استيعاب حجم التغيرات والتفاعلات القائمة. يفرق الدكتور السيف بشكل واضح بين الموقف المؤيد أو المخالف لسياسات تضعها الدولة وبين الولاء للنظام السياسي، فيعتبر الأولى مجالاً مشروعاً، بينما الثانية ليست محل نقاش، ويطالب بتوسيع دائرة المشاركة السياسية من خلال آليات مقبولة شعبياً لتكون معبرة عن تطلعات المواطنين. في الشأن الشيعي في المملكة يرى السيف ضرورة النظر لهذا المكون الوطني من منظور واقعي كأي مجتمع يتكون من جماعات يسودها التنوع وليست كتلة صماء واحدة، مستعرضا أنماط التواصل الرسمي والاجتماعي التي تمت خلال العقود الماضية ونتائجها التي يراها متناسبة مع الجهد المبذول فيها. ويشدد على أن الخيار النهائي للمواطنين الشيعة هو التعايش والاندماج في وطنهم، مشيرا إلى أن هناك عقبات ومعوقات تحول دون تحقيق الاندماج المطلوب من بينها توطين التعليم الديني ومعالجة أشكال التمييز بمستوياته المختلفة. جدير بمثل هذه الأفكار المهمة أن تنال حظاً وافياَ من النقاش العميق والحوار الموسع حولها، فالمصارحة والموضوعية والعقلانية هي أساس أي خطاب وطني يُرتجى منه الإصلاح في مختلف مجالاته.