قبل بدء السوريين ثورتهم على النظام على مر عقود من عمرهم الوطني المستقل، كانت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مسلوبة، والمعيشية كرها لا تطاق، والشعب عاش في سجن كبير مجبرا تاركا مصيره لمجموعة أو حزب قاد البلاد والعباد وفق غايتهم وأهوائهم ومزاجهم وثقافتهم تارة بدعوة قومية وأخرى دينية، عاثوا فسادا وخرابا، افتعلوا عداوات مع الجيرة، وانتصارات وهمية خارجيا، ومزقوا المجتمع السوري أخلاقيا وقيمياً وفكرياً، إلى كيانات ومربعات أمنية، عملوا على توسيع دوائر الخلاف بين مكونات السوريين ماهو ديني أو عرقي أو طائفي….الخ. الحزب الموءود اعتمد في بدء تكونه على المجموعات والشرائح المغلوبة على أمرها طبقيا، وعلى العشائر العربية الكبيرة بإغرائهم بالمال والمناصب الشكلية وإعطائهم الأراضي الكردية في الشمال امتيازا، مع تقسيم قطاعات زراعية كبيرة من أصحابها الحقيقيين ملكاُ ومهنة وإنتاجا، ووهبها إلى مواليه المستهلكين المتقاعسين عملا، مع امتيازات للسرقة والفساد إداريا وحكومياً، وطبعا ومن دون إغفال أن لكل سلطة مفكروها وكتابها وشعراؤها وطبالوها. 1973م أدخل البعث الشوفيني وسلطته الأمنية السوريين في حرب خاسرة مسبقا حسابيا مع إسرائيل لاستعادة الجولان إلى حدود 1967، وبعد التخوين والتبرير والتهويل توقفت الحرب وبقي الجولان على ماهو عليه رافضا العودة. لابد من إعادة البيت السوري والقيام بإصلاحات داخلية وهناك قوى عميلة تعين الإمبريالية وأمراض أيديولوجية لابد من اقتلاع جذورها هكذا كان الخطاب المهزوم والتبرير عقب إيقاف الحرب، هنالك قوى دينية متآمرة! هنالك خطر في الشمال هم الكرد وجب إزالتهم وتطهير البلاد منهم، لابد من إصلاحات سياسية واقتصادية! لابد من توجيه أنظار الجمهور إلى خطر يحدق به، خطر يهدد كيانه، لابد من غرقه في الخوف!!!! لابد من إيهامه وتبرير سبب ضعفه وتأخره وهزائمه التي تحول دون وحدته. 1974م بدء الحكومة البعثية الأمنية بتنفيذ مشروع الحزام العربي للحدود المتآخمة لتركيا ذات الغالبية العظمى من الكرد بطول 350 كم وعمق 10-20 كم الذي وضعه محمد طلب هلال 1965م، مع انتهاج أكثر السياسات عنصرية بحق هذا المكون الأصيل السوري من تهجير وإقصاء وتهميش مقصود ومدروس حزبيا وقطريا.(خونوا الكرد ونعتوهم بالانفصاليين). حَوَّلَ مفهوم واجب الدولة تجاه الشعب إلى مفهوم إنجازات و انتصارات، وكل من ينتقد سياسته هو خائن ومتواطئ مع الإمبريالية والصهيونية، وكان الإخوان المسلمون هم ضحية هذه السياسة المسعورة 1982م –أحداث حماه – وكانت لبنان الضحية الثانية، حيث هو المكان الأمثل لمبررات الهروب من استحقاقات الداخل السوري السياسية و لتصفية الحسابات مع إسرائيل من طرف ومع قوى إقليمية عربية من جهة أخرى خاصة بعد موافقة المجتمع الدولي على بقاء القوات السورية في لبنان. عاش السوريون في إغلاق إعلامي فترة الثمانينيات والتسعينيات على أخبار قنوات وصحف وشائعات مخابرات النظام بين أخبار عن بطولات حماس في غزة ضد الحكومات الإسرائيلية، وانتصارات حزب الله الافتراضية في الجنوب، وهم كلهم أمل بأن عدوهم سيهزم شر هزيمة، لكن شتان مابين الخبر والحقيقة. 2001 م استفاق السوريون على أحلام وآمال جديدة بتجدد نظام الحكم، وبربيع دمشقي سوري صرف، لكنها سرعان ما تلاشت تحت وطأة أقدام رجال الأمن والأمان المأمورين، حاك السوريون أحلاما عن الحرية والانفتاح والحداثة والعيش الرغيد بعد عقود من الحرمان الوطني والحقوقي والسياسي والاقتصادي،على العكس تعاظم الفقر والجوع والتخوين والتضييق على خناق السوري ،- كل المشاريع والطموحات والأفراح والتعازي مؤجلة حتى ينتهي السلام واستعادة الجولان والقدس سيرجعها حماس. أما داخليا فعادت مقولة الإصلاح من جديد تظهر – وكأنها موضة أو كليشة بداية تسلُّم الحكم – لتبدأ بالزراعة والأرض، ليغرق الفلاح والمزارع بالديون المصرفية، ومروراً بالتجارة ليملأ السوق بالسلع الصينية والإيرانية سيئة الصنع وليحصر القائمين عليها من آل البيت، وكذلك بالقانون لإصدار مراسيم لا يسمح للمواطن ببناء غرفة أو حتى قُن دجاج، وانتهاء بالإدارة ليعزز مفهوم البيروقراطية والروتين لينتهي باستشراء الفساد. أما خارجيا العراق يمتلئ بجثث التفجيرات وعناصر القاعدة ولبنان تخوض حربها الطائفية المفتعلة وسط سلسلة اغتيالات لانهائية غامضة، وإجبارهم على قبول حكومات الأمر الواقع، والأردن بمشكلاتها المائية والمسلحين الفلسطينيين والقاعدة على حدودها، ومرورا بفلسطين لتزداد شرخا بين حكومة غزة والقدس، وتضيع فرصها في بناء دولة مستقلة .