المنامة – راشد الغائب هناك جهات تكيل الاتهامات ويُفترض أن تكون أمينة. حقوقيون ومتحزِّبون يتصيَّدون ويُسيئون للوزارة. كشف وزير شؤون حقوق الإنسان في مملكة البحرين صلاح علي، عن تبلور فكرة طرحتها الجمعيات الحقوقية عليه، تتمثل في تقنين وضع الجمعيات الحقوقية بقانون خاص بهم مستقل عن قانون الجمعيات الأهلية. وقال في حوار مع «الشرق»: «صدور قانون خاص بالجمعيات الحقوقية في البحرين متضمناً ضوابط زيارة المنظمات الحقوقية الدولية المرموقة للبحرين، سيكون أمراً إيجابياً في صالح تحديث المنظومة التشريعية الحقوقية، وبما يجعل البحرين في مصاف الدول المتقدمة في تنظيم هذا القطاع الحيوي في المجتمع». وفيما يلي نص الحوار: الخطة الوطنية * ما هي أبرز ملامح الخطة الوطنية لحقوق الإنسان المقرر إطلاقها في المرحلة المقبلة؟ تعكف اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان على وضع خطة وطنية لحقوق الإنسان، وتم تشكيل لجنة مُصغرة لهذا الغرض، وبعد إعداد مشروع الخطة فإنها ستُرفع إلى مجلس الوزراء للاطلاع عليها، وبذلك ستكون الخطة هي الأولى من نوعها على مستوى البحرين، وستكون بمكانة خارطة طريق للعمل الحقوقي الرسمي، باعتبار أن اللجنة التنسيقية تمثل المظلة الرسمية الجامعة لمختلف القطاعات الحكومية، وناقشت اللجنة في اجتماعاتها الأخيرة مشروع الخطة الوطنية لحقوق الإنسان، ونتطلع إلى أن تكون خطة طموحة لكونها مرتكزة على المعلومة والواقع والرؤية الواضحة والأهداف الاستراتيجية وتلبي الاحتياجات الوطنية في المجال الحقوقي، ومن أبرز أهداف الخطة نشر ثقافة حقوق الإنسان وإرساء مبادئها في المؤسسات الرسمية والمجتمع البحريني. ولن تكون الخطة مجرد تصوُّرات طموحة على الورق، لكنها خطة للتنفيذ لتكون موضع العمل من مختلف الجهات الرسمية. تسلُّم الشكاوى * هل توجد آلية لتسلُّم الوزارة الشكاوى من المواطنين حول مزاعم تعرُّضهم لانتهاكات حقوقية؟ وزارة شؤون حقوق الإنسان جزء من السلطة التنفيذية وليس من مهامها تلقي الشكاوى، وبالتالي فإن الاختصاص الأصيل في هذا الشأن معقود على النيابة العامة ووزارة الداخلية، وذلك عبر لجوء الشاكي إلى المفتش العام أو أمين عام التظلمات أو النيابة العامة بحسب الأحوال، لكن ذلك لا يعفي إدارة الرصد والمتابعة في الوزارة من مهمة الاتصال والتواصل في كل ما يتعلق بالشؤون الحقوقية، باعتبار الوزارة معنية بدرجة رئيسة بمجال إرساء مبادئ حقوق الإنسان في الجهاز الحكومي. ومن المهم الإشارة إلى أن ما جاء في الأمر الملكي بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان يسند اختصاصاً أصيلاً للمؤسسة وهو: (تلقي الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان، ودراستها وإحالة ما ترى المؤسسة إحالته منها إلى جهات الاختصاص، مع متابعتها بشكل فعّال، أو تبصير ذوي الشأن بالإجراءات الواجبة الاتباع ومساعدتهم في اتخاذها، أو المعاونة في تسويتها مع الجهات المعنية)، وبالتالي فمن الأولوية بمكان أن تصبّ الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان لدى المؤسسة الوطنية باعتبارها جهة مستقلة في جسم الدولة، وهي المنوطة بذلك، وبخاصة أن أغلب الشكاوى المقصودة في هذا الشأن هي ضد من يعملون في السلطة التنفيذية، وبالتالي فإن ضمانات الاستقلالية والحيادية في التعامل مع الشكاوى تكون عبر المؤسسة الوطنية أو النيابة العامة، وبما يعزز من التأكيد على أن البحرين ضامنة للحقوق والحريات بشكل حيادي وشفاف، وأنها بلد صديق لحقوق الإنسان من خلال ممارسات عملية ومنظومة تشريعية قوية في هذا المجال. وأود الإشارة على أن وزارة حقوق الإنسان أحالت مجموعة من القضايا والشكاوى التي تلقتها رسمياً للجهات المختصة كمساندة منها، وذلك من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة، وذلك انطلاقاً من دور الوزارة المحوري برعاية وصون تطبيق الحقوق الدستورية للسكان، مع التأكيد على أنها ليست جهة الاختصاص في ذلك. زيارة المقرر * تأجلت زيارة المقرر الخاص بالتعذيب التابع لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، المقرر لها شهر مايو 2013. لماذا برأيك؟ حكومة البحرين طلبت تأجيل زيارة المقرر الخاص بمناهضة التعذيب البروفيسور خوان منديس، التي كان المقرر لها في الفترة من 8 إلى 15 مايو الماضي إلى وقت لاحق، وهو قرار سيادي للحكومة، ويخضع لتقدير الدولة، وذلك لاعتبارات عديدة، وجرى تبيانها وتوضيحها عبر مختلف وسائل الإعلام وبكل شفافية، وتم تبيان ذلك في الخطاب الرسمي الذي تم تسليمه للمقرر الخاص. وأود التأكيد هنا على أن الحكومة طلبت تأجيل الزيارة، وليس إلغاءها، ويأتي ذلك في سياق تركيز الجهود الحكومية في الفترة الراهنة على إنجاح الحوار الوطني وتهيئة الأجواء للمصالحة الوطنية وإعادة اللحمة الوطنية، لقد كنا نتوقع أن الحوار يسير بشكل أسرع وأكثر فاعلية، وأن تناقش القضايا الجوهرية التي يتوافق عليها الجميع، إلا أن الأمر الواقع أن المتحاورين ما زالوا يناقشون الآليات، وأن الأمور تسير ببطء غير متوقع. ومع الأسف، فإن بعض الشخصيات والجهات حمّلت موضوع طلب تأجيل زيارة المقرر أكثر مما يحتمل، وكالت كثيراً من الاتهامات والمزاعم التي يُفترض بها أن تكون أمينة وحريصة على نقل الحقائق والوقائع وليس المغالطات. * ما هو تقييمك لأداء الجمعيات الأهلية الحقوقية البحرينية؟ العمل الأهلي الحقوقي في البحرين هو إحدى سمات الفضاء الديمقراطي التعددي في البحرين، وتلعب هذه الجمعيات دوراً كبيراً في جهود التوعية بالثقافة القانونية والحقوقية وتقديم التدريبات والورش المفيدة في هذا المجال، وواجهت بعض هذه الجمعيات عثرات إدارية في طريقة تسيير أعمالها في بعض المراحل من عمرها، ولكن الحكومة ساندت بقوة هذه الجمعيات لتلعب دوراً بارزاً في عملية التنمية الحقوقية، وذلك اقتناعاً من الحكومة بأن الجمعيات الحقوقية شريك أساس في إشاعة الثقافة الحقوقية. ومنذ أن توليت أمانة حمل مسؤولية الوزارة فقد أجريت لقاءات مع قادة الجمعيات الأهلية، وذلك للتشاور حول مختلف الأمور والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وتبلورت فكرة طرحتها الجمعيات الحقوقية تتمثل في تقنين وضع الجمعيات الحقوقية بقانون خاص بهم مستقل عن قانون الجمعيات الأهلية نظراً لخصوصية عمل هذه الجمعيات، التي تختلف في أهدافها وطرق عملها عن بقية الجمعيات الأهلية الناشطة في المجتمع المدني سواء في القطاع الديني أو الخيري أو النسائي أو الشبابي أو البيئي أو غيره، ولذلك فإن صدور قانون خاص بالجمعيات الحقوقية في البحرين، وتنظيم مختلف الأمور ذات الصلة بهذه الجمعيات، متضمناً ضوابط زيارة المنظمات الحقوقية الدولية المرموقة للبحرين، سيكون أمراً إيجابياً في صالح تحديث المنظومة التشريعية الحقوقية، وبما يجعل البحرين في مصاف الدول المتقدمة في تنظيم هذا القطاع الحيوي في المجتمع. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى ضرورة تجنيب العمل الحقوقي الأهلي عن متاهات السياسة والمواقف الحزبية، لأن ذلك يجعل العمل الحقوقي فئوياً في نتائجه، وتصبح الجمعية الحقوقية بدلاً من أن تكون معبرة عن المجتمع بكل فئاته، تعبِّر عن فئة في المجتمع سواء كانت طائفة أو مكوناً أو تياراً أو غير ذلك من التصنيفات التمييزية التي لا ترتضيها الشرائع والمواثيق الأممية. الانتهاكات والإعلام * هناك انتقادات شديدة اللهجة لامتناع وزارة شؤون حقوق الإنسان عن إصدار مواقف مُعلنة بشأن ما يُنشر عن انتهاكات حقوقية في وسائل الإعلام. ما ردك؟ نتتبع من خلال الإدارات المختصة في وزارة شؤون حقوق الإنسان مختلف ردود الأفعال من شخصيات أو جهات مؤثرة في المجتمع البحريني حول قضايا ذات طابع حقوقي، ونتعامل مع كل حدث على حدة، وليس بالضرورة من خلال إصدار البيانات لكل مسألة، ونحن نتعامل مع الجهات الرسمية مباشرة لاستجلاء الحقائق والوقوف على حيثيات القضية بعيداً عن الإثارة. والوزارة تتقبل بصدر رحب أيّ انتقاد بنّاء أو توجيه هدفه الإصلاح أو تقويم العمل أو التنبيه لقصور معين، أو الحث على الالتفاف لأمر حقوقي ما، وأستذكر قول الصحابي الجليل عمر بن الخطاب «رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي». لكن الملاحظ أن المواقف الصادرة من بعض السياسيين أو حقوقيين مسيَّسين أو جمعيات حقوقية متلونة بلون حزبي معين، تكون من أجل التصيد والإساءة وليس من أجل التقويم والبناء، وذلك أمر لا يخفى على المتابع للملف الحقوقي. والملاحظ أيضاً أن بعض أصحاب الأقلام لديهم قصور في الإلمام بالاختصاص الدستوري والواجب القانوني المعقود على وزارة شؤون حقوق الإنسان، متغافلين ما تمثله هذه الوزارة الحديثة النشأة من حلقة متصلة ضمن حلقات أخرى من الوزارات والجهات الحكومية المعنية بملف حقوق الإنسان، وهي مسؤولية مشتركة وتكاملية، ومن المؤسف أن تُلام وزارة شؤون حقوق الإنسان في قضايا عدّة وهي ليست ذات جهة اختصاص به أصلاً. غير أن ذلك لم يجعل الوزارة في موقف المتفرج، وإنما تجري الاتصالات مع الشخصيات والجهات المعنية لبلورة الرأي القانوني حول مزاعم الانتهاكات الحقوقية، وتتابع الوزارة مع الوزارة أو الجهة الحكومية المختصة تفاصيل سير الموضوع الحقوقي، وذلك انطلاقاً من حرص الوزارة على تأمين الحقوق الدستورية للمواطنين في صون حقوقهم والدفاع عن ذلك. ولأكون صريحاً أكثر، فإن أيّ انتقاد للوزارة بشأن عدم إصدارها موقفاً إعلامياً حول أيّ مزاعم لانتهاكات حقوقية تُنشر سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام يعود لأمرين رئيسين، الأول أن الوزارة بعيدة عن تسليط الأضواء الإعلامية حول ما تُنجزه، وأنها تصدر للإعلام نسبة بسيطة مما تقوم به أو تنفذه على أرض الواقع. أما الأمر الثاني فإن الوزارة أو الجهة الحكومية المختصة تصدر رداً أو بياناً أو تصريحاً حول المزاعم بالانتهاكات الحقوقية، وأن الوزارة وهذه الجهات ضمن جسم واحد يمثل الحكومة، وليس هذا الجسم منفصلاً في وزاراته أو جهاته، وكثير مما يُثار يستدعي التريُّث للوقوف على حقيقة هذه المزاعم والتحقيق فيها والتصرف فيها عبر القانون، مع إحالة المتورطين فيها إلى العدالة ليتخذ القضاء وصوت الحق مجراه. الوزير صلاح علي