خالد الصمدي اليمن ذلك الوطن الكبير والعظيم بتاريخه وحضارته وشعبه، يبحث أبناؤه عن دولة مدنية حديثة في ظل تحديات تواجه نشأتها، وتتمثل في عقلية دويلات الدولة بشقيها الطائفي الديني والقبلي الجهوي، إلى جانب عقلية فشل الإدارة الحكومية. تعد عقلية دويلات الدولة عائقاً وتحدياً أمام إقامة الدولة المدنية الحديثة في كل عصر بشقيها الطائفي الديني والقبلي الجهوي. دويلة الطائفية الدينية في الدولة: دويلة الطائفية الدينية في الدولة تفرض على أبناء الوطن الولاء لزعيم الطائفة أو الجماعة أو مرشدها أو مؤسسها، وتعمل على تغييب الولاء الوطني من المنهج والفكر والسلوك لتصنع فكراً ومنهجاً وسلوكاً قد يقتنع به الأتباع، وتفرضه بالقوة على عامة الشعب بقوة السلاح الذي يكدس بطرق مخالفة لدستور الدولة أو وسائل أخرى غير قانونية، وهو ما يتنافى مع سيادة الدولة وهيبتها والولاء الوطني. تلك العقلية تريد أن تدير الدولة بالفكر الديني الطائفي، وتُدخل اليمن في حروب لا تنتهي، ويخسر فيها الجميع، والخاسر الأكبر الوطن. دويلة القبلية الجهوية في الدولة: دويلة الدولة القبلية الجهوية مازالت تعيش في العقلية القبلية الجهوية التي لم تُدمج في نظام الدولة وقوانينها. صحيح أن مجتمعنا اليمني قبلي تقليدي نوعاً ما، ومدني في بعض المحافظات، لكن هناك فرقاً بين القبيلة المدنية والقبيلة التقليدية داخل اليمن، وتختلف من منطقة إلى أخرى، بعض الدول وصلت مع القبيلة إلى الاندماج في الدولة وقوانينها، حتى أصبح الانتماء إليها مجرد لقب وليس انتماء العصبية التي تحمل السلاح في وجه الدولة وتجعل منها وجيشها وأجهزتها الأمنية الخصم لها وتنافسها في بسط النفوذ. تريد أن يحكم الوطن بالحكم العرفي وليس حكم قانون الدولة والقضاء، وهذا لم يعد يتناسب مع تطور العصر والوعي الشبابي الثقافي والوطني. تلك العقلية تريد أن تجعل الدولة خاضعة لسلطة القبيلة وليس القبيلة خاضعة لسلطة الدولة، ويتم تكديس الأسلحة والتمرد على الدولة وهيبتها وعدالتها، وهذا يُحدث حروباً أيضاً مع خصوم من نفس المكون الاجتماعي، ويُدخل اليمن في حروب لا تنتهي، ويخسر فيها الجميع، والخاسر الأكبر الوطن. عقلية الإدارة الحكومية: عقلية الإدارة الحكومية بشخوصها وفكرها وطرق إدارتها الأجهزة الإدارية جعلت من اليمن دولة فاشلة وفي ذيل القائمة العالمية من حيث التنمية والاستقرار ومستوى دخل الفرد، ومن ضمن أوائل الدول في الفساد والفقر والحكم التقليدي والحروب والقتل، وسبب ذلك الخلل في المنظومة الإدارية التي تُدار حسب الولاءات السياسية والجهوية. تجد كثيراً من الفاشلين هم من يتولون شأن الإدارة، وأن كثيرا من الكوادر الوطنية خارج الإدارة بسبب الإقصاء السياسي والجهوي والمناطقي، أو تجدهم خارج الوطن يعملون في أرقى الإدارات الحديثة، أو في الوطن يعيشون في عزلة بعيدا عن المكايدات السياسية في الإدارة التي لا يحكمها قانون غير متغيرات نفوذ الأحزاب، التي يجب على رئيس الجمهورية إيجاد آلية تعيين جديدة في كل الوظائف الحكومية يصادق عليها هو بنفسه. إذاً لأجل دولة مدنية حديثة تلبي طموح شباب الوطن والمخلصين له، لابد للعقلية الطائفية الدينية وللعقلية القبلية الجهوية من الاندماج في قانون الدولة، وتعود أسلحتهم إلى مخازنها ومعسكراتها، وعلى الرئيس إصلاح القضاء وإعادة الحقوق إلى أصحابها وتحقيق العدالة الاجتماعية. وعلى قيادة الجيش والأجهزة الأمنية التجرد من كل الانتماءات الضيقة المذهبية والمناطقية والحزبية والقبلية، لا ولاء إلا للوطن، وأن ترتقي الدولة بالإدارة الحكومية التقليدية إلى الإلكترونية، ثم الذكية، مع المهنية في الأداء والتعيين وحماية منشآت الدولة واستخراج ثرواتها وفق خطط استراتيجية وطنية، بذلك نكون قد تخلصنا من تحديات الدولة المدنية الحديثة.