بندر النعيم انتقلت المدن السعودية عبر الزمن من المدن البسيطة المتجانسة إلى المدن المركبة، فتحولت معظمها إلى كتل عمرانية ذات نواة مركزية تمثل القلب التجاري الذي يعتبر بدوره انعكاساً لملامح المدينة القديمة، وقد استقرت معظمها على مجموعة من الامتدادات العمرانية في الاتجاهات المحيطة فشكلت تكوينات متمركزة أو شريطية حسب المحددات الطبيعية التي رسمت الملامح الرئيسية لأسلوب نمو تكوينها العمراني. إن التكوين العمراني السليم لأي مدينة حضرية تبدو سماته واضحة على استقرار كافة عناصرها التخطيطية وتنعكس تلك السمات على المجتمع السكاني للمدينة ككل. فالمدينة بطبيعتها تنقسم داخلياً إلى مجموعة من التجمعات العمرانية الحضرية تؤدي وظيفة محددة لتحقيق استقرار المنظومة الأساسية وهي المدينة نفسها. الصورة العمرانية التي يجب أن يراها المشاهد لمنطقة عمرانية ما ترتبط بالطابع العام السائد في هذه المنطقة فتتحدد السمات التي تميز تلك المنطقة عن غيرها وتبرز وتظهر الشكل المطلوب تأكيده في ذهن المشاهد باعتباره الناتج التلقائي لأفراد المجتمع الذي ينعكس على إظهار إمكانيات بنائية وفنية مميزة تتفق مع بيئتهم وتراثهم والسلوك السائد في الفترة الزمنية التي تشكلت فيها. إن الفراغ المكاني الذي نعيش فيه كأحد عناصر التكوين العمراني للمدينة يمكن أن يكون محدداً مهماً جداً في الممارسات الثقافية التي تشكل الهوية الشخصية للفرد. ومن أجل فهم مختلف الهويات التي شكلتها الأماكن التي نعيش فيها فإننا بحاجة إلى النظر للوراء قليلاً في حياتنا الخاصة ونتأمل كيف شكلت البيئة التي نعيش فيها هويتنا الشخصية. كيف تأثرت حياتك بالأشياء التي من حولك؟ هل تكون لديك شعور بالانتماء للبيئة المكانية التي تعيش فيها سواء كانت في المناطق الحضرية أو الريفية؟ كيف أثر هذا على شكل هويتك كفرد؟ هذه بعض الأسئلة التي نحتاج إلى البحث عن إجابات لها لفهم الفراغ المكاني الذي نعيش فيه الذي يدفعنا للتفكير مكانياً لفهم هوية مدننا. الهوية المكانية يمكن أن تكون هوية عالمية في بعض الأحيان، لأنه مع العولمة فإن العالم يحاول بسرعة إيجاد مساحات مماثلة. يقول دورين ماسي «التفكير مكانياً يجعلنا ننظر أبعد من أنفسنا ونعترف بالآخرين»، فالفراغ المكاني يربطنا بالمحيط الخارجي، بينما الهوية تربطنا للداخل وما بين هذا التشكيل بين قوى الربط الداخلية والخارجية فإن هويتنا المكانية الخاصة تتحدد. فنحن باستمرار نشكل الصور في أذهاننا بناء على ما نراه ونشعر به (الذي هو تأثير الخارج على الداخل) وهذا أمر مهم للغاية في وجود شعور تشكيل هويتنا المكانية. هناك دائما رابط خاصة بين المكان الذي نعيش فيه والأنماط السلوكية التي نختار أن تنبعث منه. ويرتبط هذا بشكل وثيق مع الذكريات والمعاني التي تتشكل لدينا عن البيئة الخارجية. تصورنا للبيئة يمكن أن يكون له أيضا تأثير مباشر على الهوية الشخصية إذا كنا ننظر إلى المكان الذي نعيش فيه بنظرة إيجابية فسوف يسفر عن نتائج إيجابية لنا. ومع ذلك، بعض الأماكن المنكوبة بسبب الحرب أو المرض لا يمكن أن ينظر إليها بشكل إيجابي وهنا تكون الناس في حاجة إلى تغيير البيئة التي يعيشون فيها.