يُعد غازي القصيبي -يرحمه الله- الوزير والمواطن والمسؤول الذي دخل عقل المواطن وقلبه وشهد له بإنجازات واضحة للعيان، ولذا دخل بوابة التاريخ الوطني بأعماله وأفعاله وإنجازاته، وأنه لم يكن من هواة التطبيل ولا من عشاق الإعلام بالتهريج والتصريح كبعضهم، ولم يكن من فريق التوفير والتقتير، ولا من هواة التبرير والتغرير، ولم يكن محتجباً عن الناس. هو وزير شُهد له بالتواضع والتباسط وعُرف عنه الإخلاص والإتقان في العمل، مسؤول شهد له جُل الشعب السعودي بصدق مواطنته وصدق أعماله التي بقيت شاهدة وماثلة أمام الأذهان والأبصار، وكانت شريكاً حقيقياً في مسيرة التنمية، وتحديداً عندما تم توزيره للصناعة والكهرباء واستطاع أن يحوِّل الظلام الدامس الذي اكتنف كثيراً من مدن وقرى المملكة إلى نور وضوء يسطع في المنازل والشوارع. لم يكن من الوزراء الذين يعرقلون تنفيذ المشاريع ليتفاخروا بإعادة الأموال إلى خنادق وزارة المالية، ليس حرصاً على المال بل حرصاً على البقاء على كرسي الوزارة! ولذا كانوا سبباً في تأخير وتعطيل مسيرة التنمية وتأسيس البنية التحتية التي نعيش آثارها اليوم من فساد متنوع ومتعدد.. ومن مميزات القصيبي -رحمه الله- أنه لم يكن ينسب كثيراً من المشاريع والأفكار التي أحدثت نقلة في السعودية إلى نفسه، بل إلى فريق عمل شريك في تحقيقها، وهذه هي الثقة التي غرسها في كل وزارة عمل فيها، وليس على غرار بعض الوزراء الذين يدَّعون أنهم هم أصحاب الرؤى والأفكار والمشاريع التي تحمل سمة (العالمية) وبهم وبمشاريعهم تأخر البلد وتضرر المواطن والوطن.. غازي القصيبي -يرحمه الله- لم يكن يحصر إنجازاته بالتقارير التي تُعد سنوياً بمجلد فخم وبورق فاخر وتطرز بديباجة ذهبية وبمقدمة عصماء وتضخم بلغة الأرقام مسبوقة بموسيقى الكلام المعزوفة بلحن الأحلام والأوهام.. هذه الشخصية التي أحببناها، ليس لقربى تربطنا به أو علاقة تجمعنا معه أو مصالح تقربنا إليه، بل أحببناه لعمله وإخلاصه وتفانيه وتباسطه وتواضعه وتعامله مع المواطن بكل احترام وتقدير.. ولعل من دواعي ذكر مآثر هذه الشخصية، ذلك الوضع المزري الذي تعيشه بعض وزاراتنا الخدمية متمثلاً في مشاريع تعطلت أو مشكلات تفاقمت أو نهضة تأخرت أو بنية تدمرت أو وعود تكررت أو مطالب أهملت أو شكاوى أخفيت أو مظالم تفشَّت أو حقوق سُلبت، فلا غرابة أن نسمع أو نقرأ أو نشاهد قوة التذمر والتشكي والنقد اللاذع والمُعلن سواء عبر وسائل مقيدة أو سائل إعلام لا يمكن أن تكون تحت مجهر الرقيب أو مقص الرئيس وهي الأكثر شيوعاً ومتابعة.. فلو كان لي من الأمر شيء لوضعت صورة القصيبي أمام مكاتب وزاراتنا الخدمية كالتعليم والصحة والبلديات والنقل، تخليداً للرموز الوطنية التي خدمت وطنها بلغة صادقة وبعمل جليل كان محل التقدير من قادة هذه البلاد -رعاهم الله- ومحل ثناء من قِبل مواطني هذه الأرض المباركة لمسؤول أعطى بلغة الفعل والعمل وليس بلغة القول كحال بعض مسؤولينا اليوم الذين يُكثرون من الأقوال ولا يُتبعونها بالأفعال.