مكة المكرمة، الرياض – الزبير الأنصاري، نايف الحمري الحربي: الاستثمارات تمكَّن من تحويل براءات الاختراع إلى منتجات ملموسة. آل مفرح: التوسع في الاستثمارات يضعف الجودة ويصرف الجامعة عن رسالتها. القرعاوي: استثمارات الجامعات أفرزت منشآت اقتصادية.. ولم تثمر أبحاثاً علمية. الرماني: الجامعات السعودية مطالبة بتنمية مواردها البشرية والتقنية! منذ أن افتتحت جامعة الملك سعود مؤسسة وادي الرياض للتقنية التابعة لها، في عام 2008م، والجامعات السعودية تتجه على تفاوت بينها إلى إنشاء استثمارات خاصة بها، رغبة في تحقيق استقلالية نسبية عن موازنة الدولة في الصرف على برامجها، إضافة إلى دعم مخرجاتها البحثية والعلمية، وتحقيق نقلة أكاديمية فيما يتعلق بالاقتصاد القائم على المعرفة، والابتكار، وهي الأهداف التي استطلعت «الشرق» بشأنها خبراء وأكاديميين لمعرفة مدى تحقيق هذه الاستثمارات أهدافها المعلنة، ومقترحاتهم لتطوير هذه الاستثمارات؟ ممارسة دولية د. أحمد آل مفرح وقال عضو لجنة الشؤون التعليمية في مجلس الشورى الدكتور أحمد آل مفرح «إن الاستثمار في التعليم الجامعي، من خلال ما يعرف بالوقف، ومن خلال الكراسي العلمية، هو ممارسة دولية منتشرة، وتكمن أهميته في تمكينه الجامعات من إدارة أجزاء من برامجها البحثية والعلمية ذاتيا، وتخفيف العبء على موازنة الدولة التي تستقطع منها مخصصات كبيرة للجامعات. وأشار إلى أن الاستثمار توجه محمود، مستدركا «لكن ينبغي على مؤسساتنا التعليمية أن لا تتسرع في فتح الباب أمام عديد من المشاريع الاستثمارية، حتى لا تنشغل عن رسالتها الأساسية؛ لأن بناء الوقف الجامعي ومتابعته يحتاج إلى جهود كبيرة من الجامعة وإداراتها المختلفة، الأمر الذي يخشى معه التأثير على أداء الجامعة في الجوانب الأخرى». واقترح آل مفرح لتحسين أوضاع الاستثمارات وجود مجالس تضم متخصصين في النواحي المالية والشرعية والقانونية لإدارة هذه الأوقاف، وترفع هذه المجالس تقارير سنوية لتقييم الأداء الوظيفي إلى المقام السامي، وعدم التوسع في الاستثمارات حتى لا يكون الكم على حساب الجودة. خروج إلى الأطراف ولفت آل مفرح إلى أن الاستثمارات الجامعية تعاني من مشكلة التركز في المدن الكبيرة، وقال: يجب الخروج بالأوقاف والاستثمارات الجامعية إلى الأطراف، والمناطق النائية مثل جازان ونجران وتبوك وحائل؛ حيث تواجه الجامعات الناشئة هناك احتياجات كبيرة سواء على مستوى إكمال البنية التحتية، أو على مستوى إعداد البيئة المناسبة والمجهزة للبحث العلمي، ويمكن للاستثمارات متى ما تم توجيهها إلى هناك، إحداث فرق كبير لدى هذه الجامعات، فالأوقاف يجب أن لا تتركز في المدن الكبيرة، وإنما تشمل الأطراف أيضا. وأضاف: أيضا على وزارة التعليم العالي التعاون مع أصحاب رؤوس الأموال وإرشادهم إلى مكامن النقص في المؤسسات التعليمية، وبناء علاقة تكاملية معهم، كما يجب على الجامعات الترشيد في الإنفاق على استثماراتها. منتجات مادية د. ثامر الحربي بدوره، أكد وكيل جامعة أم القرى للشؤون التعليمية الدكتور ثامر الحربي أهمية الاستثمارات الجامعية كمورد مالي مستقل، وقال إن جامعة أم القرى بدأت أخيرا في الاتجاه نحو الاستثمار الذي يعزز مواردها الخاصة من خلال شركة وادي مكة للتقنية، ولا شك أن مردود هذه الاستثمارات سيكون إيجابيا على مخرجات الجامعة، وعلى مستوى البحث العلمي فيها. وأشار الحربي إلى أن عوائد استثمارات الجامعة ستتركز في تنمية الاقتصاد المعرفي من خلال تحويل ما لدى الجامعات من براءات اختراع تجاوزت 200 براءة إلى منتجات مادية ملموسة تخدم الوطن بأكمله، لافتا إلى أن باقي الجوانب المتعلقة بمنشآت الجامعة وبنيتها التحتية تكفلت بها وزارة التعليم العالي، وبالتالي فلا داعي لصرف عوائد الاستثمارات فيها. وألمح إلى أن الاستثمارات ستنصب أيضا في تسريع عملية تطوير بنية البحث العلمي من معامل، وأجهزة، وتطبيقات إلكترونية، بحيث لا يصبح تطوير هذه البنية معتمدا على الوزارة وحدها. إخفاق الكراسي وقلل رئيس المركز السعودي للدراسات والبحوث ناصر القرعاوي من دور الاستثمارات الجامعية في دعم حركة البحث العلمي في المملكة، وقال إنه إلى عهد قريب لم تطرق الجامعات السعودية مجال الاقتصاد المعرفي، واستغلال قدراتها العلمية في أبحاث ذات عائد اقتصادي على الجامعة، وعلى الوطن، إلا أنه في السنوات الأخيرة انفتحت الجامعات على الاستثمار، وأخذ هذا الانفتاح شكلين من أشكال الاستثمار العلمي، الأول الكراسي العلمية، والثاني الأوقاف. وأشار القرعاوي إلى أنه فيما يخص الكراسي العلمية فإنه يمكن القول إن أكثر من 35 كرسيا علميا أُسست في الجامعات السعودية لم تتمكن من تحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها، إما لضعف في الإشراف والمتابعة، وإما لخلل في اختيار العناصر الأكاديمية التي تدير هذه الكراسي. ولفت القرعاوي إلى أن الفشل الذي منيت به تجربة الكراسي العلمية أضعف حظوظ الجامعات الاستثمارية في مجال الاقتصاد المعرفي، كما أنه ترك صورا سلبية لدى رجال الأعمال، والقطاع الخاص عن الجامعات السعودية، ومدى أهليتها لتنفيذ الأبحاث العلمية ذات الأبعاد الاقتصادية والتجارية. عوائد هزيلة ناصر القرعاوي أما بخصوص الأوقاف فأكد القرعاوي أنها الأخرى لم تحقق النجاح المأمول، وقال «إن استثمارات الجامعات في هذا الصدد لم تثمر عن أبحاث وابتكارات علمية، بقدر ما أثمرت عن قوالب إسمنتية، ومنشآت اقتصادية عادية، لا تعطي مردودا علميا، ولا تصرف عوائدها الهزيلة التي تقدر في بعض الجامعات ب 7% من مجمل الموازنة، في تنمية البحث العلمي. وأضاف أن الجامعات السعودية تخلفت بمسافة كبيرة في هذا الجانب عن مثيلاتها العالمية؛ حيث تعتمد بعض الجامعات في هولندا وأستراليا على أبحاث طلابها، لتمويل احتياجاتها، أما جامعة هارفارد، فقد أتاحت لها أوقافها موازنة كبيرة تعادل موازنة ثلاث دول من دول الجامعة العربية. تقييم التجربة واقترح القرعاوي لتطوير الاستثمارات الجامعية أن تعقد وزارة التعليم العالي مؤتمرا تدعو إليه الجامعات السعودية، وتقيم فيه تجاربها الاستثمارية، وتعيد النظر في الأساليب المتبعة في هذه التجارب، إضافة إلى إعطاء فرصة أكبر للقطاع الخاص للدخول كشريك في عملية الاستثمارات الجامعية، وليس مجرد داعم، ما من شأنه تحرير عملية الاستثمار من البيروقراطية الحكومية، والانتقال إلى بها سلاسة العمل التجاري والاستثماري، وأخيرا إيجاد حاضنة علمية في كل مدينة لاستقطاب الموهوبين من طلاب الجامعات والتعليم العام، وتهيئة البيئة البحثية المناسبة لهم، بدعم من الشركات الكبيرة مثل أرامكو وسابك ونحوها. تضافر الجهود وشدد القرعاوي على أهمية تضافر جهود القطاع الخاص والجامعات السعودية من أجل دعم الاقتصاد الوطني، وإيجاد بدائل لصادراته التقليدية، حتى لا نقع ضحية لما يلمح به المغرب ما بين فترة وأخرى من إمكانية استخراج البترول الصخري، والاستغناء به عن النفط، مؤكدا أهمية مواكبة الاكتشافات العلمية وتحويل هذه المكتشفات إلى مشاريع عملية. ضوابط المنح د. زيد الرماني من ناحيته أوضح المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور زيد بن محمد الرماني أنَّ الاهتمام باستثمار الأموال قد زاد في الآونة الأخيرة، مشيرا الى أن الجامعات مطالبة بتنمية مواردها البشرية والتقنية، سواء كانت حكومية أو أهلية، وأن لا تعتمد على مصدر وحيد في التمويل بما هو مخصص لها في ميزانية الدولة. وقال إن من أبرز المجالات التي يمكن للجامعات تنمية مواردها من خلالها هي التبرعات والمنح والوصايا والأوقاف، ولكن وفق شروط معينة بحيث إن وجدت شروط من قبل المتبرعين والمانحين والموصين والواقفين، فتطبق تلك الشروط، حتى يكون صرفها بحسب الشروط، أما إذا تعارضت تلك الشروط مع أهداف الجامعة، فلا تقبل تلك التبرعات والمنح والأوقاف والوصايا أصلاً. وكذلك إذا كان من الشروط ما هو غير معتبر شرعاً، فإنه يكون لاغياً تلقائياً، كما لو شَرَطَ صرف المال في ترجمة كتب سحر وشعوذة وإلحاد أو إعداد بحوث في مناقضة الشريعة أو الرد على أهل العلم الشرعيين. وأضاف إذا لم توجد شروط للمتبرع أو الموصي أو الواقف حينئذ، فالأولى صرفها في وجوه البر والقُرب، مثل طباعة كتب العلوم الشرعية أو ترجمة شيء منها أو ترجمة معاني القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الإنفاق على طلاب العلم الشرعي وحفظة القرآن والسنة، كما يجوز صرفها في كل الوجوه المباحة من تعليم العلوم الشرعية وإعداد البحوث فيها أو إصدار مجلات دورية أو الإنفاق على مشاريع الجامعة الأخرى. تنمية الموارد وقال الرماني «بالنسبة للأوقاف والوصايا أرى أن يكون التنسيق بين الجامعات ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حتى لا يُساء التصرف فيها ولكي يكون الموصي أو الواقف واثقاً من الصرف في المجال وبالأسلوب المناسب». واقترح الرماني دعوة الأثرياء ورجال الأعمال والقطاع الخاص من أجل: تبني أعمال معينة والتكفل بتكاليفها مثل إجراء أبحاث معينة، دعم برامج المنح الطلابية، تأمين أجهزة وتشغيلها، وتمويل المعامل والمختبرات، وتأجير بعض الممتلكات داخل المملكة وسيلة مناسبة من وسائل تنمية موارد الجامعات. مجالات استثمارية ونبَّه الرماني إلى أنه يمكن للجامعات أن تحقق نفعاً وتحصل على روافد مالية من القاعات والصالات والمراكز الترفيهية والرياضية والاجتماعية من خلال تبني الأثرياء ورجال الأعمال والقطاع الخاص تمويل واستثمار تلك المناشط، ووضع عوائد مالية مناسبة للاشتراك والمساهمة في تلك المناشط، وإقامة الدورات والمسابقات والأمسيات مقابل مبالغ رمزية، ودعوة المؤسسات والشركات للاستفادة من مرافق الجامعات مقابل عوائد مجزية. دعاية وإعلان وأشار الرماني إلى أنَّ من أفضل السبل لإيجاد تعاون بين الجامعات والمؤسسات الإعلامية المحلية، من خلال تبني أقسام الإعلام في الجامعات مهمة التنسيق وتوحيد الجهود ووضع الآليات المناسبة وفتح القنوات اللازمة لذلك، وقيام إدارات الإعلام الجامعي والعلاقات العامة في الجامعات بدور ريادي في مجال الدعاية والإعلان وتوزيع المطويات الموضحة للأهداف، بالإضافة إلى مشاركة أعضاء هيئة التدريس في البرامج الإذاعية والتلفازية إلى جانب الكتابات الصحفية، عن هذا الموضوع. وختم الدكتور الرماني حديثه قائلاً «أرى الوقت قد حان للجامعات للتفكير الجدي ووضع الآليات المناسبة لدعم وتطوير وتنمية مواردها واستثمار طاقاتها ومرافقها، وأدعو إخواني رجال الأعمال والأثرياء والقطاع العام والخاص بكل أشكالهما للمساهمة في ذلك ودعم القنوات الاستثمارية وتبني الأوعية التنموية من أجل مستقبل أرحب للجميع».