الفرق بين العبقرية والجنون شعرة رفيعة جدًا. استدعيت لتوليد إحدى السيدات بعد أن تعثرت الولادة وتقررت القيصرية، فقلت لهم امنحوني شرف المحاولة خاصة في ظل غياب الموانع الصحية لولادة طبيعية، وعندما دخلت الغرفة صاح الجنين من بطن أمه: أهلاً يا أبا الريش وسط ذهول الأم والممرضة، وأردف قائلا أعرف أنهم أجمعوا على إخراجي بالقوة ولكن هيهات، فأجبته: وماذا تريد عجل الله خروجك أيها...! فضحك وقال لن أخرج إلا بشرط أن تضمن لي دراسة الطب والعمل بمستشفى ساق الغراب! فقلت ولماذا؟، فقال في المجال الصحي أنتم الأطباء أهل الحل والربط ومفاتيح الأمور بيدكم، فقلت له إنك صغير ولا تعلم ما حل بنا، إنني لا أرضى لابني أن يمتهن الطب؟ سألتك بالله أيها الجنين القاصر هل يمر يوم دون أن تكتب الصحف تشهيراً بأحدنا وقد يساوى بالمجرمين وأصحاب السوابق دون أن تثبت عليه تهمة؟ فقال هل تنكر يا أبا الريش أن إدارة ساق الغراب كلها أطباء حتى المسؤول عن الأمن طبيب وعمال النظافة والتمريض والصيدلة والجودة والشؤون الإدارية و... كلها يتزعمها أطباء. لو أن أطباءك يا أبا الريش عادوا لمهنتهم لن تحتاج إلى أن تستقدم أصحاب الشهادات المزورة ولا أنصاف الأطباء، ولو أنك أعطيت الخبز لخبازه لما حصلت كل هذا الفوضى وهنا قاطعته قائلاً حسبك وكفى. اخرج ، فقال لا أفعل إلا بشرطي، فقلت للزميلات: عليكن به أخرجوه واقطعوا لسانه وسجلوها مضاعفات وليس خطأ طبياً! فقد نكأ الجروح وأدمى العيون وجلب للقلب العلل وحرك همومًا ساكنة!