لم يحدث أن قابلت الشاعر: محمد بن الذيب، لكني قابلت نصوصه الشعريّة وذِكْرَهُ الطَّيّب و«عِلْمَهُ الغانم» في أكثر من مكان وزمان. هو تربية سائق الأجرة الذي كان يوصل غير القادرين مجاناً. لا بُدَّ أنّكم سمعتم قصة ذلك الرجل الذي كان يشتغل في «أرامكو» السعودية سائقاً وكان إذا لقي من البادية من ينوي «الشَّدِيد» ترك أرامكو وساعدهم في نقل أمتعتهم دون مقابل. ذات يوم من الأيام «أشّرَت» له عجوز ومعها حمار قائلةً: «أوصلني يا الأجودي قدام شوي»، فأجابها «راح أوصلك» بس الحمار؟!، فأجابته: «خلاص روح الله يستر عليك بيجي «خر الذيب» – وكان هذا لقبه – ويشيلني – إن شاء الله – «تقصد راشد العجمي. فأجابها: يا خالة أنا راشد الذيب. اركبي وابشري بالخير، ثم أنشد: حالفٍ ما آخِذْ على الطّرقي رياله / وبالثلاث مْحَرّم إنْهَا ماتجيني لا لقيت اللّي على السكّة لحاله / يلتفت ويقول: وين المستحيني أشرب الفنجال وأكُبّ البيالة / تابعٍ سلمي.. سلوم الأوليني هذا هو والد ابن الذيب الذي حُكِمَ عليه بالمؤبد قبل أشهُر، فإنْ كان سِجْنُهُ بسبب قصيدة فالقصيدة حُرّة تُرَفْرِف خارج القضبان وفوق كل الأسوار، وإن كان لسببٍ لا نعلمه فعظمة الجرم تتضاءل أمام كرم الأكرمين شيوخ قطر الحبيبة. ودمعة طفل وطفلة تيتّما وأبوهُمَا على قيد وفي قيد الحياة. ما يجدر ذكره في هذا المقام أنه يجب علينا كشعراء ألا نكتفي بتلك المحاولات الخجولة من بيت وبيتين، أيام إصدار الحكم التي ما لبثت أن خفتت وكأنّ المسألة ليست أكثر من أداء واجب. وليس للشعراء رابطة ولا هيئة تحميهم، لهم الله فقط. هذا ما تؤكّدهُ كثير من الأحداث. عَتَبِي على الشعراء عامّةً وعلى شُعراء البلاط خاصّةً الذين يستطيعون بجاههم وعلاقاتهم أن يفعلوا شيئاً ويحركوا ساكناً لكنهم اكتفوا بالصمت، فُرصة لهم أن يُكفّروا عن مسحهم للبلاط طوال مسيرتهم الشعرية بموقفٍ نبيل وسطرٍ ناصع قبل أن يموتوا، فالشعر بلا موقف وبلا قضيّةٍ لا يعدو أن يكون هراء.