قبل يومين، انتشرت صورة لثلاثة وعَّاظ، يركبون الخيل ويرفعون أيديهم للمصور، ودار لغط كثير حول اللقطة وتأويلاتها، لدرجة أن تصدَّرت التعليقات الساخرة عليها من جهة والمدافعة عنها من جهة أخرى، وغلبت على كل المواضيع في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. أما اللافت في تلك التعليقات فهو مدى الطرافة والفكاهة الذي وصل إليه المزاج العام في تناول بعض رموز ما يسمى بنجوم الدعاة، سواء من المنتقدين لهم أو حتى من المدافعين عنهم. ربما كان يمكن لتلك الصورة أن تمر، دون أن تثير الغبار بحوافرها، لولا أن اللحظة شديدة الحساسية لمدى الاحتقان الذي يعيشه الناس، مما يحدث من قتل وبطش ومجازر في سوريا، هذا الوضع الذي يتفق الجميع على أنه مأساة إنسانية، تشي بنتائج كارثية للجميع، وهي اللحظة التي نرى فيها التجييش الطائفي على أشده، والتمترس المذهبي يتطاول بنيانه، على امتداد الخريطة العربية، بسرعة هائلة. فهي صورة لا تحتمل أكثر من كونها لثلاثة من نجوم الإعلام الوعظي الجديد، وهم في رحلة لتسجيل برنامج ديني بعنوان «سواعد الإخاء»، ربما لهذا كانت سواعدهم مرفوعة في الصورة، وليس كما فسَّرها البعض على أنها إشارات النصر، فهم بالتأكيد يعلمون أن الحقول الخضراء التي يقفون عليها تركية، وإن كانت الأراضي السورية على بُعد همزة فرس. يتفق الفرسان الثلاثة، سواء في خطبهم أو برامجهم التليفزيونية، على دعوة الشباب للجهاد في سوريا، وحث كل من يستطيع على حمل السلاح بالتوجه إلى أرض الشام، بل ويدعون الناس بالتبرع بالغالي والنفيس لدعم المجاهدين، وربما هم الآن على مشارف أرض المعركة وينتظرون المشاركة لتتحقق رغباتهم التي يدعون لها الشباب ليل نهار. وإن كان كلٌّ منهم عبّر عن نفسه في تلك الصورة بإشارات مختلفة، فالأول يرفع عصاه، والثاني يمد قبضته، وثالثهم يشير بسبابته في وجه الصورة، ربما ذاك يفيد بأن لكل منهم فلسفته الحربية إلا أنهم يتفقون على الهدف. التعليقات التي رافقت الصورة ربطت اللقطة بسياقات كل من الفرسان الثلاثة، فأحدهم سبق له أن وعدنا برؤيته في القدس، وآخر خاض حرباً شرسة ضد «سبونج بوب»، ولا ننسى الفارس الذي صار رمزاً لحروب الكتب والتأليف. أجزم بأن الوضع في سوريا تخطى كونه مأساة إنسانية، والأدهى أنه ليس من إشارات لقرب انتهائها، بل إن النظام السوري الطاغية استطاع أن يستفيد من كل تناقضات المشهد العربي، وعلى رأسها إثارة الفتنة الطائفية، وقد استثمرها من جهته بخبث ودهاء شديدين، في حين نجد أن الثوار والمعارضة بدأت تدبّ في جنباتهم الصراعات والخلافات. وحين أعود لتأمُّل صورة الفرسان الثلاثة، أجد أنها تشير بشكل واضح إلى أن الفرسان الذين لم يدخلوا إلى ساحات الحرب التي يحثوننا على خوضها لا يكمن تأثير خطابهم في طبيعة المعركة السورية، بل إن كل ما أخشاه هو ذاك الخطاب الذي يُشعل الحماس ويؤجِّج المشاعر، في بلادنا، الخطاب الذي يقسِّم الشعب الواحد على أساس طائفي، الخطاب الذي يستخدم القضايا المحقة وتحويرها، خطاب يخلط الأسباب بالنتائج، خطاب يستبدل الطاغية بالمذهب، وبدلاً من القضاء على الظالم وإطفاء الفتنة، نجد خطاباً يُشعلها في كل مكان وتجاه كل مختلف، حتى لو كان شريكاً في الوطن.