في حفل عشاء خاص في بيروت، جرى قبل أيام الحوار التالي بين دبلوماسي غربي رفيع (طلب عدم ذكر اسمه) وبين بعض الصحافيين اللبنانيين: – ما فرص نجاح مؤتمر جنيف 2-؟ الدبلوماسي: ضئيلة في الواقع، كما اعترف الوزير جوني كيري نفسه. لكن مجرد انعقاد المؤتمر مهم في حد ذاته. – لماذا؟ الدبلوماسي: لأنه يدل على أن المجتمع الدولي لن يترك سورية لمصيرها، وأن الحرب السورية المستمرة منذ عامين لن تكون «حرباً منسية» لا يهتم بها أحد. ثمة التزامات دولية مهمة ستخرج من هذا المؤتمر، من شأنها على الأقل أن توفّر «الأرضية المناسبة» لأي حل سياسي في تلك الدولة. – لكن هذه الأرضية لن تكون كافية لوقف نزيف الدم الهائل في سوريا، لا بل هي قد تفاقمه، لأن الأطراف المتصارعة ستتسابق على الحلول العسكرية وعلى محاولة تغيير الوقائع على الأرض كي تفرض في النهاية شروطها في المفاوضات. الدبلوماسي: هذا صحيح. لكن في الظروف الراهنة حيث تركيز الولاياتالمتحدة مننصب على ما أسماه الرئيس أوباما «بناء الدولة في أميركا»، أي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وعلى استراتيجية الاستدارة شرقاً نحو آسيا، هذا أقصى مايمكن أن يقوم به المجتمع المدني في هذه المرحلة. جنيف 1 و2 ماذا يعني هذا الحوار؟ أمراً واحدا: مؤتمر جنيف-2 الذي قد يعقد في وقت ما من يونيو (حزيران) المقبل، سيكون نسخة طبق الأصل عن جنيف-1 الذي عُقد هو الأخر في يونيو (حزيران) العام 2002، من حيث المضمون كما النتائج. فكما أن جنيف1- اكتفى بحديث عمومي عن سلطة انتقالية في سوريا، من دون أن تتفق الدول الغربية وروسيا على مصير الرئيس بشار الأسد ولا على مستقبل الأجهزة الأمنية والاستخبارية القوية، لا يتوقع أن يخرج جنيف2- بمحصلات مغايرة. فالأسد لا يزال يكرر ليس فقط أنه يرفض التنحي، بل يصر أيضاَ على الترشُّح في العام 2014. ونظامه أبلغ موسكو رسمياً أنه يرفض أن تكون للحكومة الانتقالية المفترضة أي سلطة من أي نوع كان على أجهزة المخابرات ال15 وعلى المؤسسة العسكرية. وكلا هذين الشرطين يضعان مؤتمر جنيف- 2 في طريق مسدود سلفا. لكن، طالما أن واشنطن وبروكسل تعيان تماما العقبات الكبرى التي تعترض هذا المؤتمر الدولي، لماذا تندفعان على هذا النحو الحماسي إلى عقده؟ لسبب واضح: تبرير عدم تطبيق مبدأ التدخل الإنساني الشهير الذي تحوّل إلى جذر كل السياسات الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وكل حروب التدخل في البلقان وإندونيسيا وأفريقيا وليبيا، من خلال الادعاء بأن العمل يجري على قدم وساق لإيجاد حلول دبلوماسية وسياسية. وهكذا، يتمكّن الرئيس الأمريكي من الإفلات من الضغوط الداخلية والخارجية عليه، التي تفاقمت بعد أن تجاوز النظام السوري الخط الأحمر الذي حدده أوباما حول استخدام الأسلحة الكيميائية. كما يتمكّن الرئيس بوتين من مواصلة الإفادة من الحرب السورية، عبر لعب دور بارز على الساحة الدولية بصفته طرفاً رئيساً مقرراً في مسيرة الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط. إنها لعبة ماكيافيلية بامتياز يتخفى فيها نفض اليد الخفي من المأساة السورية في ثنايا الضجيج الدبلوماسي الهادر، ويتم خلالها عملياً تأجيل الحلول (التي باتت بالضرورة عالمية بعد أن تدوّلت الأزمة السورية بالكامل) عبر الادعاء اللفظي والإعلامي بأن القوى الدولية «المتفاوضة» تعجّل بهذه الحلول. كل ذلك سيترك سوريا أمام خيار يتيم: استمرار الحرب إلى أمد غير منظور، على أن يتخللها بين الفينة والأخرى مؤتمر دولي (على نسق جنيف) من هنا، ومبادرات دبلوماسية من هناك (كما تفعل الأممالمتحدة). وهذا سيكون تكراراً طبق الأصل تقريباً للحرب اللبنانية التي دامت 15 عاماً في الفترة بين 1975 و1989. فضلاً عن ذلك، ستكتسب هذه الحرب مع الوقت روحاً وكينونة خاصتين بها على كل الصعد. وهكذا سيولد اقتصاد الحرب الذي ستعتاش منه وعليه كل أنواع الميليشيات لدى النظام والمعارضة على حد سواء، فتصبح الحرب هدفاً وليس وسيلة. وستتسابق القوى الإقليمية على اقتطاع مناطق نفوذ جغرافية وديمجرافية لها في سوريا، وستجد الدول الكبرى مصلحة لها في تحويل سوريا إلى مغناطيس يستقطب كل العناصر الأصولية المتطرفة في العالم ودفعها إلى معارك لانهاية لها في ما بينها، كما يحدث الآن على سبيل المثال بين حزب الله اللبناني وجبهة النصرة في بلدة القصير السورية الاستراتيجية. والحصيلة؟ إنها واضحة: انتظار تحقق الدمار الشامل للوطن السوري، قبل أن تتقدم الدول الكبرى لفرض الحلول. وهذا، على أي حال، ما أوضحه ضمناَ الدبلوماسي الغربي البارز حين شدد على أن دور المجتمع الدولي الآن يقتصر على توفير «أرضية الحل»، كما حدث في جنيف1- وسيحدث بعد قليل في جنيف2-. أما الحل نفسه فيجب أن ينتظر وصول الأطراف السورية المتقاتلة إلى مرحلة الإنهاك الكامل. وهذا يمكن أن يحدث.. بعد جنيف5-!