كثيراً ما نشاهد أطفالاً بأعمار مختلفة في الأحياء أو المدارس أو أماكن العمل حيث تشعر للوهلة الأولى بأن هذا الطفل يتصرف تصرفات تنمُّ عن عدم الاهتمام به من قِبل الأسرة في مراحل طفولته الأولى، أو تسمع عبارة «قليل الأدب» أو عبارة «قليل التربية» تطلق على الطفل حين يسلك طريق الخطأ أو الانحراف، ونتساءل حينها هل فعلاً هذا الطفل لم يتلقَّ التربية الجيدة من أسرته؟ وكيف يمكننا الارتقاء بأطفالنا في مراحل طفولتهم الأولى؟ وأسئلة أخرى تدور في رؤوسنا لا نجد لها أجوبة مقنعة. التربية الأسرية لا يختلف على أهميتها اثنان، لضمان التنشئة السليمة للطفل، وتعد عنصراً أساساً في تنشئة الطفل، حيث تعدّ السنوات الأولى التي يقضيها الطفل في منزله من أكبر المؤثرات المسؤولة عن تشكيل مستقبله، فالأسرة أول وسط ينمو فيه الطفل، ويتشرب الأحكام الأخلاقية والتقاليد والعادات والأعراف السليمة من خلال الجو العاطفي الذي يتفاعل معه في الأسرة، فتفعيل الوظائف التربوية لا يتحقق إلا بتكاتف جهود الأسرة، فتقوم بأدوار وواجبات عديدة، أهمها إشباع حاجات الطفل النفسية وتوسيع مداركه وزيادة معارفه وتسليط الضوء على تصرفاته وتصحيحها إن كان بها أي اعوجاج. وكثيرة هي الأسر التي تهتم بتربية أطفالها تربية علمية حديثة، وتدرك جيداً أن التربية الأسرية في مرحلة الطفولة تكسب أهمية كبيرة باعتبارها مؤسسة تربوية حقيقية أولى في حياة الطفل، ولا يمكن أن تتحقق التربية المتكاملة للطفل، إلا إذا بدأت من الأسرة، كونها اللبنة الأولى التي ينشأ فيها الطفل، وأساس المجتمع المترابط، الذي بُني من أول لحظة على التوافق والتراحم والانسجام والتشارك في الحقوق والواجبات. ويجد علماء النفس أن سلامة الطفل تتميز بخصائص جسمية وعقلية وانفعالية واجتماعية وخلقية، وعلى الأسرة أن تقوم بالعمل على تقويم سلوك الأطفال وتعديله، ومعرفة كيفية التعامل معهم، وتوجيههم التوجيه السليم، لكي نرقى بشخصية الطفل وتسوية بنائه الإنساني. ويرى إريكسون (Eriksson) واضع نظرية النمو الاجتماعي، أن النمو النفسي في سياق اجتماعي أكثر اتساعاً ضمن التراث الثقافي للأسرة، ويرى أن الفرد قادر على تطوير شخصيته، من خلال مراحل النمو المتلاحقة طيلة حياته، كما يعتقد بوجود فترات حرجة للنمو، ويعدّها نقطة تحول حاسمة، وإذا لم تُحل مشكلات هذه المرحلة فإنها ستظهر في مراحل نمائية لاحقة عند الطفل، ويعدّ الطفل متكيفاً إذا تجاوز المشكلات، وتميز سلوكه بالإيجابية خلال مروره بالمراحل المتتابعة، واقترح إريكسون ثماني مراحل للنمو النفسي والاجتماعي.