سألوا جحا يوماً كم عمرك؟ أجاب ثلاثون عاماً. رجعوا إليه بعد ثلاثين عاماً فسألوه من جديد كم عمرك؟ أجاب ثلاثون عاماً! تعجب القوم وسألوه من جديد كيف لم يتغير عمرك مع الزمن؟ أجاب: الرجل يبقى رجلاً لا يغير كلمته ولا يبدل موقفه! ضمني مجلس مع قوم اجتمعت بهم في أول أيام الثورة السورية فسألت بعضهم عن رأيهم عن مآل الأمور وإلى أين سوف تصير؟ كان يومها قد هرب بن عابدين وتنحى مبارك! أجاب الأول مبارك آخر الراحلين ولن يتبدل شيء أو يسقط زعيم! علق الثاني بأكثر عما حدث: أنه لم يتغير شيء، ولن يتغير شيء، بل ولن يتغير شيء في حياته وأفراد جيله. العجيب أن الله يقول كل يوم هو في شأن أما جماعتي فيقولون أن لا جديد تحت الشمس. بعد مرور سنتين واحتراق اليمني ونهاية القذافي الدموية وانفجار البركان السوري سألتهم مجددا ما رأيكم في الأوضاع؟ أجاب الأول لم يسقط أحد ولم يتغير شيء ومبارك كان آخر الراحلين! قلت كيف؟ قال زين العابدين هرب ومبارك تنحى، أما البقية فلم يهرب أحد ولم يتنحى أحد؛ وبالتالي فمبارك آخر الراحلين ولم يتغير شيء. ثبت الرجل على موقفه مثل جحا فلم يتغير ولو تغير العالم! التفت إلى الثاني قلت له هل تغير شيء؟ قال لم يتغير شيء ولن يتغير شيء ولن يتغير أي شيء في جيلي. هذه قصص على عمق الإحباط عند المواطن العربي. والكون لا يمشي على هذا النظام، بل كل يوم هو في شأن فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام. حسب العقيدة البوذية فالكون كله في تغير من أعظم الإمبراطوريات إلى حيوان الخلد. وحسب هيرقليطس اليوناني فإن النهر الذي تضع قدمك فيه لا يبقى نفس النهر حين تضع قدمك فيه بعد لحظة. وفي الطب لايبقى الجسم بين اللحظة واللحظة نفسه. السكر يتأرجح والتيروكسن يتقلب والعظام تبنى وتهدم. والعالم العربي لن يشذ على قانون الكون بالتبدل ولو قال جحا وجماعتي ماقالوا، وقدرة مراجعة النفس وتغيير الموقف والرأي هي من أعظم الفضائل.