يخطيء الكثير في تصوري عندما يستعجلون الحكم على ثورة ما في الربيع العربي بالنجاح من عدمه، فالثورة ليست بالضرورة فعل ناجز بشكل كامل بل قد تكون خطوة في مشوار طويل أهم نجاحاتها هي سقوط طاغية ونظام جثم على صدور شعب لعقود من الزمن. كرست الأنظمة العربية من خلال القمع حالة من الركود ، وقضت على كافة أشكال الحراكات الفكرية والسياسية والمواقف الشعبية، لذا من المتوقع أن يحدث انفجار ، وتمارس فئات من الشعب ما يعتبره البعض أسلوب فوضى لا مطالب سلمية. بعض تلك الدول مرتبطة بمصالح دولية استراتيجية تصعب خسارتها، وكذلك علاقات مصالح في المنطقة وتحالفات يقلق بشأنها أطراف أخرى، في ظل شعوب يزيد من مشكلة تعاطيهم مع مكتسبات الثورة مستويات التعليم والوعي وثقافة حقوق الإنسان والديموقراطية، مضافاً إليها بروز تيارات ذات أبعاد إيدولوجية أو طائفية تستغل العواطف لتكرس رؤى ومواقف ضيقة على حساب التعددية والوحدة الوطنية في ظل دولة مدنية ، تلك كلها مجتمعة عوامل تعيق تحقيق النجاحات الفورية لبعض الثورات. بعض الشعوب يفهمون الظلم عندما يرونه مجرداً أمام أعينهم واقعاً عليهم ومتفشياً حولهم، فيثورون في استجابة طبيعية لانتهاز أول فرصة للانقضاض عليه بعد تجاوز حواجز الخوف، لكن وفي الوقت ذاته قد لا يدرك كثيراً منهم ميكانيزم الإصلاح والتغيير وكيفيته التي لا تتم إلا من خلال نبذ الصراعات الأثنية وتكريس الوحدة الوطنية ، وعدم تجزئة المواقف والمبادئ بقبول الظلم أو التغاضي عنه تجاه فئة أو أخرى، لأن الظلم إذا تم القبول بمبدأه فلا أحد يستطيع أن يضع له قانوناً بل سوف يطال الجميع. مهما كانت الأحداث والتداعيات والسلبيات والإخفاقات المرافقة فأنه لا يمكن الحكم بشكل نهائي على فشل ثورة شعب، حتى لو اأستمرت التجاذبات لسنوات لأن عمر النجاح في إحداث تغيير في الدول لا يقاس بسنوات قليلة. بل إن فترات عدم الاستقرار اللاحقة لثورة ما، وما قد يتبعها من إخفاقات مهمة قد تكون في جانب آخر عامل إيجابي يقدم الدروس والعبر، ويكرس التجارب والخبرات للشعوب، فلا أحد يستطيع في نهاية الأمر أن يخبر شعباً ما هو الصحيح تماماً وما عليه فعله على وجه التحديد طالما صار بإمكانه النزول للشارع بلا خوف والتأثير في القرارات الحكومية وإتجاهاتها بل واختيار الحكومة ونوعها ، فقط التجارب والخبرات هي التي سوف تنضجه أكثر وتزيد وعيه.