قدمت المجلة العربية مع عددها 421 الكتاب رقم 182 هدية لقرائها، وحمل عنوان (حساسية الروائي وذائقة المتلقي) للمؤلف عبد الباقي يوسف. لكن عنوان الكتاب لا يفضح صراحة محتواه، إذ جاء أقرب إلى الكولاج الذي اقتطف الكاتب فيه شذرات متفرقة من اطلاعاته على الأدب والنقد والسيرة والترجمة والتراجم، ليقدم مادة غنية لكنها مربكة وتفتقد للوحدة العضوية التي يجب أن يسير عليها في منهج الكتاب، والأدهى أن الفقرات في كل فصل تتنافر عضوياً، ما يؤشر إلى أن مواد الكتاب مجموعة ومفروقة جاءت في أوقات مختلفة، وربما متباعدة، حتى ظهر الكتاب تصنيفاً أكثر منه تأليفاً، ولا ننكر هنا على الكاتب جهده المبذول، قلَّ أو كثر، لكننا ننبه إلى أن تجميع المقالات النقدية والصحفية في كتاب وراءه ما وراءه من محاذير، ولا بأس لو قرأنا اجتهادات المؤلف في صحيفة، أو مجلة، وعندها سيكون الكاتب أكثر حرية، والقارئ أكثر تركيزاً، أَليس المتلقي هو هدف الكاتب؟ ونقرأ من مفردات الكتاب في فصله الأول “تقدم الرواية شخوصاً يمكن أن نتعلم منهم، يمكن أن نحذو حذوهم في العقل والحرية والجنون، لأن الرواية عالم صادق جريء ويحمل كل حساسيات الإنسان تجاه قضية النقاء الروحي وشفافية الإنسانية التي بات يفتقدها إنساننا المعاصر”. كما نقرأ “ويرى ميلان كونديرا أن الأزمنة الهادئة التي كان الإنسان لا يقاوم فيها سوى وحوش نفسه قد مضت، أي أزمنة جويس وبروست... كونديرا ينطلق من أرضية ثقافية خصبة، وهو المشبع من قراءة روايات عظماء الروائيين: بروست، وجويس، وستاندال، وجوته، وريتشاردسون، وبوكاشيو، وكافكا...، يقول: لقد انتهى البحث عن الأنا دوماً، وسينتهي دوماً إلى عدم إشباع، ولا أقول إلى فشل، لأن الرواية لا تستطيع اختراق حدود إمكاناتها الخاصة”. كما يسرد يوسف صفحات من بدائع ما أنتجه روائيون وكتاب آخرون غير روائيين (نيتشه، أندريه جيد، وموباسان، وكامو، وماركيز، وكافكا... وغيرهم)، دون أن يبرر الجمع بين هؤلاء، ممن لم يقدموا الرواية، فكتاب “هكذا تكلم زرادشت” ليس رواية حتى بالمفهوم السوريالي للنقد. وفي الفصل المخصص للرواية النسوية، يقيم يوسف ذلك الفصل الحاد الذي تكرهه الكاتبات النساء خاصة، في عالمنا العربي، وفي العالم عموماً، ويقول”.. عندما أقرأ سيمون دي بوفوار سأرى خلافاً في التعابير بينها وبين (الوجود والعدم) لسارتر.. وعندما أقرأ إيزابيل الليندي في (إيفالونا)، أو في (بيت الأرواح)، ستختلف قراءتي عندما أقرأ (مئة عام من العزلة)، أو (الحب في زمن الكوليرا) لماركيز، رغم قوة تأثير سارتر على (إيزابيلا)، وكذلك مع (أنديانا، وكونسيللو، ومستنقع الشيطان، والساحرة الصغيرة) لجورج ساند، فهي تكون مختلفة من حيث المبنى والمعنى عن (مدام بوفاري) التي أبدعها غوستاف فلوبير، رغم خصوصية العلاقة بين الكاتبين. وهذا يكون مع توني موريسون في (أشد العيون زرقة)، و(سولا)، ومع فوكنر في (الصخب والعنف)، أو (في نور آب). جاء الكتاب في ثلاثة فصول وخاتمة، إضافة إلى المصادر والمراجع.