عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة الحدود الشمالية    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة بريطانيا لدى المملكة بمناسبة اليوم الوطني    «العوالي» توقّع اتفاقية مع «سدكو» لإنشاء صندوق عقاري بمليار ريال    صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية لتقنية المعلومات (سايت) ومايكروسوفت يوقعون مذكرة تفاهم لاستعراض حلول السحابة السيادية في المملكة    انطلاق مناورات تمرين «ميدوزا 14» في مصر بمشاركة القوات السعودية    المملكة توزّع 489 سلة غذائية في مدينة بلخمري بأفغانستان    الاجتماع العاشر لمكتبة الملك عبدالعزيز في بكين يعزّز التعاون الثقافي السعودي - الصيني    سماحة الإسلام    نسخة طبق الأصل    مدينة الفاشر تسقط في الصمت الدولي ومعاناة بلا مفر    "يايسله": لدينا وقت محدود للتحضير والقادسية فريق منظم    ماذا يعني إعلان السعودية حليفا رئيسيا خارج الناتو    دورة ألعاب التضامن الإسلامي "الرياض 2025".. المنتخبات السعودية ترفع رصيدها إلى 35 ميدالية    ولي العهد والرئيس الأميركي يشاركان في منتدى الاستثمار الأميركي السعودي    الشرقية تفعل مسارها الثقافي.. تعاون لإحياء 12 موقعاً تراثياً بارزاً    عبدالعزيز بن سعود يلتقي أمير منطقة الحدود الشمالية    ترمب: شركات أمريكية وسعودية توقع اتفاقيات بقيمة 270 مليار دولار    أمير القصيم يكرّم النودلي لتحقيق مستشفى عيون الجواء «صداقة كبار السن»    لاندمارك العربية تفتتح متجرين رئيسيين جديدين لعلامتي سنتربوينت وماكس في يو ووك الرياض    أسهم أوروبا تستقر مع ترقب نتائج إنفيديا    برشلونة يستضيف مباراته المقبلة في دوري أبطال أوروبا على ملعب كامب نو    القيادة تهنئ أمير موناكو بذكرى اليوم الوطني لبلاده    15 جهة تشارك في فعالية "بنكرياس .. حنا نوعي الناس"    صندوق واحة النخيل يوقع اتفاقية بقيمة 741 مليون ريال لتطوير مشروع متعدد الاستخدامات بجانب مستشفى دله النخيل    المنتدى السعودي للإعلام يوقّع اتفاقية مع وكالة أسوشيتد برس لتعزيز التعاون الدولي الإعلامي    تطويره بتقنيات الذكاء الاصطناعي .. مصيباح: تطبيق «توكلنا» يصل ل1100 خدمة بكفاءة عالية    «معاقبة بالتمارين» تقتل طالبة هندية    يستعين بكرسي متحرك لسرقة متجر    طفل خدع جارته واستنفر الشرطة    حرس الحدود يضبط 4 من مخالفي الصيد البحري    أكد أن الشراكات المقبلة ستكون أكبر.. ترمب: محمد بن سلمان صديق مقرب ويقوم بعمل رائع    قوة دولية و«مجلس سلام» وتمهيد لمسار دولة فلسطينية.. مجلس الأمن يقر الخطة الأمريكية بشأن غزة    الملحق الثقافي السعودي في أمريكا: 14,037 مبتعثاً يعززون الاستثمار في رأس المال البشري    ترمب: بداية لسلام أوسع في العالم    ب 100 مباراة.. الدوسري يحفر اسمه في تاريخ الكرة السعودية    أخضر التايكوندو يتألق في دولية قطر    أزمة بين سان جيرمان ومبابي بسبب عرض الهلال    الترجمة في السياق الديني بين مصطلحات الشرع والفلسفة    حي البجيري    «الكشافة» تعزز أهدافها التربوية والمجتمعية في أبوظبي    نحو تفعيل منصة صوت المواطن    جلوي بن عبدالعزيز يشيد بجهود تحقيق الأمن المائي    نظرية داروين وعلاقتها بأزلية العالم    الزميل آل هطلاء عضواً بمجلس إدارة جمعية سفراء التراث    لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تعقدُ لقاءً عاماً مع اللجان العاملة في الميدان ومنظِّمي البطولات    أدوية معروفة تحارب ألزهايمر    استخراج حصوة تزن كلغ من رجل    نستله تضيف السكر للسيريلاك    إنفيديا ومايكروسوفت تستثمران 15 مليار دولار في «أنثروبيك»    نائب أمير الرياض يطلق مشروعي تطوير أدلة الإجراءات وجدول الصلاحيات ضمن الخطة الإستراتيجية للإمارة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج 372 متدربًا من برامج البورد السعودي والدبلومات الصحية    نائب أمير القصيم يطّلع على أبرز الجهود الميدانية والتوعوية لهيئة الأمر بالمعروف في موسم الحج العام الماضي    أمير تبوك يستقبل سفير جمهورية بولندا لدى المملكة    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم سحر    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درء الخصومة بين الشعب والحكومة
نشر في الشرق يوم 15 - 04 - 2013

إن الاستقرار السياسي في أي دولة ثمرة لأمور عدة من أهمها مدى التوافق والتناغم (أو عدمه) بين طرفين:1- الحكومة كجهاز قيادي تنظيمي خدمي، 2- الشعب بوصفه الجهة المنتفعة والمتأثرة التي تسعى -بصور وآليات مختلفة حسب نضجها السياسي- إلى جذب مؤشر بوصلة العمل الحكومي إلى تطلعاتها وحاجاتها العاجلة والآجلة، والحد من استفراده بصناعة القرار أو الشطط والإجحاف فيه.
إن حلقة الوصل أو نقطة ارتكاز الميزان بين الطرفين (الشعب والحكومة) هي الدساتير والقوانين المنبثقة عنها، وبعضها وضعية والأخرى إلهية المصدر وبين الصنفين محاولات وتجارب مخلوطة من كليهما، وينظر إلى الدساتير بكونها آليات تحدد المقاصد الكبرى، وتبين صلاحية كل طرف وحدوده، وتضمن التوازن بين الطرفين، فلا يبغي طرف على الآخر، وتركز الجهد عند التوافق والخلاف على المصالح العامة الراجحة، وتقصيه عن المصالح الخاصة أو الضيقة والمرجوحة.
إن أساس الدستور يختلف باختلاف الدول، فالدول اللا دينية أو العلمانية تبني أسس دساتيرها على اجتهادات بشرية تتغير وتتطور، وبعض الدول الإسلامية -مثلاً- تأمل وتسعى إلى بنائه على أساس الشريعة الإسلامية، ويتفاوت الجهد والثمرة في ذلك، وفي هذه الحالة فإن أساس الدستور ثابث لا يتغير، إذ الإسلام حق ثابت وصالح لكل زمان ومكان، ولكن الدستور المنبثق من الإسلام كأساس ما هو إلا آلية تنظيمية تطبيقية خاضعة للاجتهاد في كل ما لم يرد فيه نص، ومن المعلوم شمولية الإسلام وقوانينه لكل أوجه الحياة، ولكن الشارع عز وجل سكت -رحمة وليس نسيانا- عن طائفة من القضايا، وأطر بعض القضايا تأطيراً عاماً غير مفصل، ولذا فقد يتغير الدستور ويتحور في بعض جوانبه، ويتكيف في إطار معلوم محدود بشرط ارتكازه على أساسه، وتمحوره حول ثوابته، قال الرسول الأكرم: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء -رحمة بكم غير نسيان- فلا تسألوا عنها)، قال الشيخ الألباني رحمه الله: هذا الحديث حسن لغيره، رواه الدارقطني وغيره، مع الإشارة إلى أن تحريم السؤال في الحديث كان في زمن الوحي خاصة، خوفاً ورحمة من الرسول من نزول الوحي بالتحريم والتضييق على أمته عند المبالغة والتفصيل في السؤال.
مما يعين على التوازن بين الطرفين نصح الشعب للحكومة وفق آداب متعددة وقواعد معلومة، فالدين -أي نهج الإسلام- كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم هو: النصيحة لله (إخلاصاً وتوحيداً وتعبداً)، وللرسول وللكتاب (إجلالاً ومحبة واتباعاً لما أمر وبعداً عما نهى عنه وزجر)، ولأئمة المسلمين وعامتهم (طاعة في المعروف ونصح وإصلاح وتوجيه وحب الخير ومنع عن الظلم)، قال رسول الله: (الدين النصيحة ثلاثا، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) رواه مسلم.
إن مما يعين على التوازن والاستقرار -من المنظور الإسلامي- الحب بين الطرفين، وليس المقصود بالحب العشق والتأليه والغلو، أو اختزال مفهوم الدولة في الحكومة أو في شخص القائد أو المؤسس أو المصلح أو رهطه، بل مقصود الحب التعاون على المعروف والتذكير به، وهذا الحب ليس شعارا لا دليل له، بل هو ثمرة تعتمد في حلاوتها ونضجها على طبيعة ومدى نضج ورقي العلاقة بين الشعب والحكومة ممثلة في قائدها وكل أجهزتها، فلا غرابة حين يحب الشعب قائدا لعدله وجهده وبذله وإيثاره، ولا يتصور وجود الحب -حقيقة وليس مجرد شعارات جوفاء- إذا تشوهت هذه العلاقة بالظلم والبعد عن العدل والتلاعب بمقدرات الشعب وغياب دليل العمل والإخلاص والإنجاز عن أرض الواقع، الذي لا يؤمن إلا بلغة الأرقام الموثقة والإحصاءات المنهجية والتصنيفات الدولية المعيارية، وصدق الرسول الكريم القائل: (خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ……….) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
يتصدر مهمة النصح للحكومات والشعوب علماء الشريعة والمفكرون والمصلحون وذوو الهيئات، وهم من يشار إليهم في فقهنا بأهل الحل والعقد، وفي الدول التي تؤسس دستورها على الإسلام يتوقع – شرعاً وعرفاً وتاريخاً – أن أول من يتصدى لهذه المهمة، ويصبر ويصابر عليها علماء الشريعة، فهم ورثة الأنبياء، والأعلم بمراد الشارع، وهم من أخذ الله عليهم العهد ببيان الحق وعدم كتمانه، وفي استجابة الحكومة لنصحهم، ورجوعها لدرب الحق درءاً للخصومة بينها وبين الشعب أو الأطراف المتضررة منه، وفي استكبارها واستنكافها الاستماع للشعب ونصحه جلبا للخصومة وإزكاء لنارها.
إن لعلماء الشريعة في الإسلام – كما رأينا في تاريخنا – وظيفة ومهمة عظيمة تتوسط العلاقة بين طرفي: الشعب والحكومة، فمع كون العلماء من الشعب فإنهم لا يمثلونه إلا وفق الأطر والضوابط الشرعية، التي تنظر إلى المصالح الكبرى، وموازنات المصالح والمفاسد، والنظر في مآلات الأمور.
إن ولاء علماء الشريعة المخلصين لله وللدين وللحق، وقد أخذ الله عليهم الميثاق ببيان الحق، وهم بنسبتهم إلى شرع الله -في أصل الأمر- أعلى وأجل وأكرم من أن يكونوا أبواقاً للباطل، أو مناصرين للظلم، أو مخذلين أو مخدرين، أو معينين على استعباد الشعوب أو الحكام، ولكنهم – ولله الحكمة البالغة – غير معصومين، وقد يزل بعضهم ببشريتهم خطأ في فهم أو اجتهاد، وقد ينزلق بعضهم وراء غواية الشيطان أوالهوى أو طمعا في مغنم أو دفعا لمغرم، وعندما تضطرب وظيفة بعض العلماء وتحيد عن مسارها وغاياتها فإن العلاقة بين طرفي الشعب والحكومة تضطرب اضطرابا تبعا لذلك، وعندها يهتز قدرهم ومقامهم السامي، وهذا معين على إثارة فتنة الخصومة بين الشعب والحكومة، ولعل حب الناس لبعض العلماء العاملين الناصحين دون غيرهم عاجل بشرى المؤمن، وشهادة عدل على صدقهم وإخلاصهم.
كان صلاح العلماء -ولم يزل- عوناً على درء الخصومة بين الطرفين، وصلاحاً لحال الأمة أجمع، وهذا ما يفسر شدة حرص المجتهدين وكبار العلماء والمجددين قديماً وحديثاً على تنشئة العلماء تنشئة نبوية مثلى لا يكون الخوف والجبن والخور والترف والركون للدنيا جزءا من مكوناتها وأسسها، فمن يحفظ للأمة دينها ومصالحها إذا خاف العالم، وسكت، وربي، ونشأ على ذلك؟ وما أجمل مقولة ذلك الصالح المصلح الذي نادى العلماء في زمانه بأعلى صوته محذراً من الخوف والفساد: «إخواني، لا تفسدوا، لا تفسدوا، لا تفسدوا! فأنتم ملح الأرض»، ولا يخفى على القارئ الحصيف الصور البلاغية الغنية الكامنة في تشبيه العلماء بالملح، فهو الذي يحفظ الطعام ويسيغ طعمه ويحسن مذاقه، أصلح الله الجميع، وهداهم لسبل مرضاته، وغفر لي وللقراء وللمسلمين عامة، آمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.