المجتمع الذي يتشابه أفراده مجتمع باهت، مريض، لا يتقدم ولا يصنع التغيير. ومن يطالب بالسير في اتجاه واحد إنما يصارع طواحين الهواء، ومن لا يؤمن بالتعددية سيموت بمفرده. ومن يبحث عن توحيد الرأي والاجتماع على قلب رجل واحد، إنما هو يعيش في أوهامه، فالأمم لم تصنع حضاراتها إلا من رحم الصراعات ومخاض التنافر. ليست دعوة للصراع، بقدر ما هي ترحيب بالاختلاف والتماهي مع الفروق الثقافية وتعددية الفكر والاعتقاد. أبوانا هابيل وقابيل اختلفا واقتتلا، في أولى سيناريوهات الخلاف على هذه الأرض وتاريخها، في موقف جسد الحرية التي منحها الخالق لخلقه في الاختيار. والمجتمع الذي يمارس نفس السلوك ويتبنى ذات الفكرة، هو في حقيقته مجتمع مفكك من داخله، ولو أظهر الوحدة والتماسك. وفي مجتمعنا، سادت الاختلافات الفكرية مؤخراً بين الأطياف، وهي علامة نضج وصحة، وليست كما يعتقد البعض أنها الطريق إلى الهاوية. تعال واختلف معي واترك لي المجال كي أختلف معك، وليكن اختلافنا حضاريا، يوحي بالحد الأدنى من المودة والاحترام، ولو مارسنا بعض القسوة. ولا تتجاوز علي وتلصق بي أقذع الألفاظ لمجرد أنني لم أتماشَ مع منهجك وقناعاتك، خصوصا إذا كنت رجلاً تدعي التدين والخلق الرفيع. أحدهم لم يعجبه ما أكتب يوما، فاستجمع معجم الشتائم وساقها علي في أسلوب فج، لا يمت للفضيلة التي يدافع عنها بصلة، ولم يبق حينها إلا أن أطلب منه أن يضربني، ولو كنت أمامه لفعلت. وهنا سأستعير جملة للشيخ عفيف النابلسي، وهو بالمناسبة رجل دين شيعي من لبنان – على اعتبار أن الحكمة ضالة المؤمن – يقول “أهلية الإنسان للحياة وتشكله وتفتحه مستمدة من الاختلاف الحر والحرية في الاختلاف”.