يزعم بعض الاقتصاديين أن نظام الملكية جزء من فطرة الإنسان ويلبي حاجات أصيلة للإنسان مثلها مثل أي مشاعر غريزية، ولقد أسبغ بعضهم هالات من القدسية على الملكية. وزعم البعض أن هذا الميل للتملك والحيازة موجود أيضاً لدى الحيوانات للبرهنة على البعد الغرائزي في قضية التملك. قبل تفنيد فطرية الملكية لابد من توضيح علاقتها بالزمن، فالملكية مربوطة ارتباطاً وثيقاً بعنصر الزمن، فهناك سلع معمرة وهناك سلع غير معمرة، فكلما زاد عمر السلعة وزادت فترة الانتفاع منها منذ وقت اقتنائها زادت أهمية الملكية، والعكس بالعكس. فمن الطبيعي أن تكون الملكية ذا أهمية كبيرة في حال اقتناء سيارة أو بيت أو جهاز كمبيوتر نظراً لطول مدة الانتفاع، لكن تقل أهمية الملكية في حال السلع غير المعمرة كالمواد الغذائية، وتنعدم تماماً تلك الأهمية في حال الخدمات، لأنه ليس هناك فاصل زمني بين امتلاكي الخدمة واستهلاكي لها. إذاً الملكية تزيد أهميتها وتنقص حسب طول المدة منذ حيازة السلعة حتى استهلاكها بالكامل. فامتلاك قطعة أرض يختلف تماماً عن امتلاك ساندويتش هامبورجر. فالأرض سينتفع منها المالك طوال حياته وسيورثها لأبنائه بعد مماته، أما ساندويتش الهامبورجر سيتم أكله بمجرد امتلاكه. وبناء على ربط الزمن بالملكية، فلا يمكن أن يتصور وجود لنظام الملكية في الفترة التي سبقت العصر الزراعي، فترة جمع الثمار وصيد الحيوانات وانعدام وسائل التخزين للطعام، حيث لم يستأنس الإنسان الحيوانات، وكان يستهلك الغذاء بمجرد حيازته وبالكاد كان يلبي حاجاته الأساسية. نستنتج أن الإنسان خلال الحقبة التي سبقت العصر الزراعي لم يكن لديه فائض من الإنتاج الغذائي قبل اكتشاف الزراعة، وبالتالي انعدم عنصر الزمن بين الحيازة والاستهلاك، ما أدى الى انعدام نظام الملكية تماماً، أي أنه لم يكن معروفاً ومتداولاً خلال تلك الحقبة من التاريخ. ومعنى هذا أنه مشروط بظروف تاريخية تلعب دوراً مهماً في تطوره، وربما اضمحلاله مستقبلاً نتيجة تطور التكنولوجيا وأنماط الإنتاج. التطور التكنولوجي باكتشاف الزراعة وتقنية حرث الأرض واستئناس الحيوان أسهم في دخول الإنسان عصر الزراعة وبداية الملكية الخاصة وأيضاً عصر العبودية، فما الغرض من امتلاك شخص (رقيق) ما لم يحقق فائضاً في الإنتاج؟ لاحظوا أن فكرة الملكية تتمحور حول وجود فائض الإنتاج وفي نفس الوقت تحقق عنصر الندرة لذلك المنتج، إذ لا يوجد أي معنى من امتلاك الهواء وتسعيره والمتاجرة به نظراً لعدم تحقق عنصر الندرة ووجود الهواء بكميات غير محدودة. ومع التطورات التكنولوجية المتلاحقة في وسائل الإنتاج انتقلت البشرية لنظام الأقنان وهو نظام عبودية أقل قسوة من نظام الرق، وبعد ذلك وبفضل التطور الكبير والإنتاج الآلي تغيرت طبيعة العلاقة بين مالك المصنع والعامل، حيث قلت حدة العبودية وأصبحت تتسم العلاقة بينهما بالتعاقدية، فالعامل حر طوال يومه إلا خلال ساعات عمله، وهنا أصبحت قوة العمل موضوع البيع والشراء وليس الإنسان نفسه كما كان الحال في عصر العبودية والأقنان، وهو ما نسميه العصر الرأسمالي. طبعاً لم يتم إعطاء الحرية النسبية لأسباب إنسانية، بل الفضل يعود للتطور التكنولوجي الهائل في وسائل الإنتاج. فكما أن العصر الزراعي أدى إلى استعباد الإنسان، فإن الآلة أعادت جزءاً كبيراً من حريته ووفرت مجهوده العضلي الكبير. وبفضل الإنتاج الكبير الناتج من التطور واختراع الآلة طرأ تغير مهم على نظام الملكية، حيث أصبحت المشاريع ضخمة وكبيرة بحيث لا يستطيع فرد أو أسرة أو عائلة تحمل نفقاتها، ما أدى إلى توزيع الملكية على شرائح كبيرة من المجتمع على صورة أسهم، وهذا ما نسميه بالشركات المساهمة. وفي نفس السياق، ولو كان يبدو نقيضاً للأول، حيث إن الدولة وبحكم قوتها وامتلاكها الموارد أصبحت لديها القدرة على إدارة وحيازة المشاريع الضخمة والمرافق والمصانع، وهو ما نسميه الدولة الاشتراكية. وهنا تظهر المفارقة الغريبة، حيث إن الآلة أسهمت في ظهور الشركات المساهمة وتوزيع حصص المساهمين على ملايين الناس، وأيضاً أسهمت في ظهور الدولة الاشتراكية. فمن خلال التطورات التاريخية التي طرأت في وسائل الإنتاج وتقنياتها تغيرت صورة الملكية إلى أن اقتربت من التلاشي في بعض الأحيان، أو بالأحرى بدأت تنحسر أهمية الحيازة والتملك. والإصرار على أن التملك والحيازة مسألة فطرية، يجب إعادة النظر فيها خصوصاً مع توالي ثورات الأتمتة والإنتاج الكبير. والمتفحص لمسيرة البشرية يتضح له مدى التغيرات الكبيرة التي طرأت على نظام التملك ونظرتنا له. فقد كان من أهم عناصر الإنتاج أيام العبودية هو قوة العمل البشري، ولكن بعد اختراع الآلة التي تعمل بصورة أوتوماتيكية، أصبح امتلاك عبد والفوز بولائه أمراً ليس مهماً. وما ينطبق على الإنسان ينطبق على السلعة، فمع تزايد الأتمتة والإنتاج الضخم سيصبح امتلاك السلعة ليس بتلك الأهمية، حيث إن عنصر الندرة بدأ يتلاشى، ومع تلاشي الندرة يقل سعر امتلاك السلعة، ومع الهبوط المستمر في سعرها تقل أهمية امتلاكها، فالأتمتة ستؤدي بنا لاحتمالية إنتاج وفرة كافية للبضائع وتقديم الخدمات للبشر، وتمكننا من الاستغناء عن الملكية تماماً في المستقبل. وبالتالي ستنحسر كثير من الجرائم كالسرقة والقتل وتوابعها، لأن وجود هذه الجرائم غير متصور في الأساس مع انحسار الملكية.