وايش معاك في الجمعيّة؟ أراجع، أبغى الخير. بنتي مطلقة ومريضة بالكلى، ومعاي بنت ثانية ما أدري ما هو أجاها يا ولدي، فجأة إلا وهي معوقة.. الحمد لله على كل حال. وأبوهم فين؟ الله يرحمه. وإخوانهم؟ واحد في جدة متزوّج وحاله تعبان، والثاني فصل من وظيفته وهو مريض مثل أخته. إن شاء الله الجمعية أعطتكِ حاجة اليوم؟ “والله يا ولدي يقولون ما قد أجا ولا شي، واقفة عندهم من ساعتين مدري ثلاث! وكل يوم يقولون تعالوا بعد أسبوع وإلا بعد يومين.. ونبغى أوراق.. بس الصراحة أنهم ما يقصرون. من وقت لوقت نحصِّل معاهم أمّية (تقصد 100 ريال) وأميتين. وأحيانا أمثلاث، وكلها تروح يا سيدي في مشاويرنا وإليهم أو في تصوير الأوراق اللي يطلبوها منا. الدنيا تبغى صبر باسل يا ولدي”! والصدقات السنوية؟ “إحنا نسمع أن أهل الخير ما يقصرون يرسلون ملايين كل سنة.. ووقت ما نسمع بها أجت نروح عند اللي يوزعون هذي الصدقات من المشايخ ونتعب ونستقيم (أيْ يتعبون من الوقوف على أبوابهم)، وبعضنا يحصل امخمسين وناس امّية، ونادر إذا زادت بعدما نبصم على أوراق! نعمة أحسن من ماشي! ويمكن الناس اللي محتاجة أكثر من الفلوس اللي تيجي والله العالم يا ولدي”! وتنهدت بعمق وحرارة تبعتها بضحكة باهتة تقطر حزنا. كان عليَّ أن أصمت عن الأسئلة وأكف عن كل كلام، قبل أن تشير علينا بالتوقف عند غرفة على جانب الطريق من الناحية الأخرى حيث بيتها الذي دخلته سريعا دون أن تودّعنا وكأنها أحست بأن بكاء ونحيبا عاصفين يلحان على الخروج من قلبها، فخشيتْ أن تلوِّث بياض تفاؤل الشباب فينا وانطلاقته الجامحة، ولم تكن تدري بأن قلبي يرى الآن نحيبها وقد سال في ذات المجرى لنهر حزننا الطويل والمتسع باتساع هذه الأرض!