كنتُ أتأمل التباين الكبير بين شخصية الإعلامي القديم وشخصية الإعلاميّ الآن، فإذا الفرق كبير دقيق جوهري وإذا البون شاسع. لا أقول هذا على سبيل المبالغة ولا التعميم غير أنه على سبيل النظروالتجريب والملاحظة. وأنا أعتقد التعدد في ما يتصل بثراء الموهبة. هذا يعني أن ثراء الموهبة الإنسانية ممتد في زمان الناس ومكانهم لكني سألح على فكرة الظاهرة، كان الإعلاميّ ظاهرةً مميزة ثرية ذاتَ ثراءٍ شخصيٍّ وكاريزما وحضور يتجاوز الشكل والزخرف الظاهر للهيئة، بينما نحن الآن بإزاء الشكل والزُخرف الظاهر واللون والاجتراء أكثر مما نحن بإزاء أصالة الموهبة وكاريزما المعرفة والحس الإعلاميّ المتميز. إننا بقليلٍ من الملاحظة سندرك أننا بإزاء صناعة نجوميةٍ شكلانية أكثر منها نجوميةَ ثراءٍ معرفي وتمكنٍ إعلامي بما ينطوي عليه ذلك من إمكانٍ شخصيّ يتجاوز الشكلَ إلى الجوهر واللحظةَ العابرة إلى رسوخ وثبات الملكات والمنتج الإعلاميّ المميز المقنع اللافت. إن الانجذاب إلى الصورة حلَّ محل الانجذاب إلى المحتوى بنفس القدر الذي أزاح فكرة الموهبة والتمكن. هذه سطوة الصورة، إن لها حقلاً جاذباً مخادعاً يُحيد العقل عن إدراك الفكرة بوصفها روحَ الرسالة الإعلامية. ليس الغريب أن نصنع نجماً أوأكثر في هذا السيلِ الجارف من البهرج الإعلامي الكثيف ولكن الغريبَ المُدهش أن نتحدث عن نجومية الموهبة وعبقرية الصوت والالتزام حين كان الكدح وامتلاء ونضج الموهبة هو البهرج وهو الآلة التي تصنع النجومية. النجومية الآن تصنع القيمة بينما كانت القيمةُ، قبلُ، هي التي تصنع النجومية فتكون حينها لاحقةً لا سابقة ومُسَّبَباً لا سبباً. لا بد أن نؤسس لفكرة أن يكون الصوت والآداء عبقريةً وألقاً فضلاً عن سلامة اللسان واللغة وصدق الالتزام والآداء، هكذا هو الإعلام في الواقع، إنه معادل للموهبة والثراء والتمكن والانضباط ونبل الغرض. في وسعيَ الآن أن أستحضر ذكر شخصيةٍ إعلامية فذة، كانت نموذجاً رفيعاً، ربما تذكرونها أنتم أيضاً، إنه بدر كريم، كان قامةً إعلاميةً فارعة، كنتُ في بداياتي الإذاعية وكنت أتلمح فيه التزامه الرفيع وانضباطه المدهش وصرامتهُ المهنية الرفيعة. ما كان يتكلف أو يتصنع أو يتطلب إقلاقاً معنوياً لأحد، كانت شخصيته الإعلامية ذات التئام وتوجه لفكرة جوهرية أوغالبة، كان العمل الإذاعي والإعلاميّ في ذهنه خلطةً خاصة من الموهبةِ والثراء والتمكن. لأجل ذلك كانت نجوميتهُ محصلة لعلو المعيار الإعلاميّ في ذهنهِ وموهبتهِ. كانت نجومية الموهبة لا نجومية اللون. في ظني أن الموهبة الإعلامية هي عبقرية الصوت والإمكان، هكذا تكون هي الإعلام بآلته الحقيقية، ليس اللون وصناعة البهرج واتساع الدعاية المُوهِمة.