يخطئ من يتصور أن الحياد فضيلة، فالحياد في القضايا المصيرية تواطؤ، وفي قضيتنا المصرية سلبية، وفي الدفاع عن الحق إدانة للعدالة، وفي الإعلام ستر للحقيقة، وفي التعليم دعوة للفشل، وفي الطب نجاح للمرض، وفي الانتخابات بطلان للصوت، وفي اختيار الزوج عنوسة، وفي المعركة جُبن، وفي السلام استخفاف بخطر الحروب، وفي الكلام لت وعجن، وفي الألوان لا وجود له، وفي الطعم ماسخ، وفي النوم أرق. المقاعد في ملاعب كرة القدم تظل محايدة حتى يجلس عليها المشجعون، والكرة حتى تركلها أقدام اللاعبين، والأرض حتى تشقها الفأس، والميادين حتى يملأها الثوار، والطرق حتى تمرق عليها السيارات، بداخل كل سيارة خلف عجلة القيادة إنسان، والحياد صفة من صفات الجماد، إذا أصاب الإنسان صار في حالة من الجمود. الوقوف في منتصف الطريق يجعلك في آخر الصف، وإرضاء الجميع نفاق، والدبلوماسية فن من فنون السياسة، والسياسي الذي يلعب على كل الحبال ينصرف عنه الجمهور. الإنسان كتلة من المشاعر والأحاسيس، والقلب المحايد هو القلب الميت. أما اليأس فهو أن تحيا بالموت، وشر الحياد هو أن لا تموت ولا تحيا وهذا عذاب الكافرين في جهنم. الحياد عجز، إذا تبنته الشرطة سادت الفوضى وتسيدت شريعة الغاب، وإذا طبقه القضاة في أعمالهم تساوى المجرم مع الضحية، وإذا لازم المعلم في الفصل فإنه سيأمر تلاميذه بالتصفيق للفاشل كما فعل مع المتفوق ويعاقب النجيب كما عاقب البليد. خلق الله الملائكة بعقل ونزع منهم الشهوة، وخلق البهائم بشهوة ونزع منها العقل، وثبت في الإنسان العقل والشهوة، والحياد ضد العقل والشهوة، والملائكة مفطورة على طاعة الله، والبهائم تنساق وراء رغباتها، والإنسان اختار الأمانة؛ والاختيار إرادة والحياد لا شيء. الحياد فيما يحدث حولك معناه أنك لست موجوداً، بينما الجنين يرفث الرحم ليعلن عن وجوده القادم، ويبكي في لحظة الولادة إذا أراد شيئاً، و»إذا أراد الشعب الحياة فلا بد أن يستجيب القدر». الحياد سكوت والساكت عن الحق شيطان أخرس، والشيطان يوسوس، والحاكم يسوس الناس بالعدل، والعدل اسم من أسماء الله الحسنى، ويقول تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). وعندما صفع حارس مكتب الإرشاد بالمقطم امرأة على وجهها فوقعت على الأرض، سكت المرشد. الحياد جهل، ومن قال لا أعلم فقد أفتى، ورجال الدين (الآن) يفتون في السياسة، والساسة يستخدمون الدين لخدمة أغراضهم، ومن يخدم الدين يترفع عن المناصب، والمناصب لا تدوم، الدوام لله. الحياد كالماء، لا يستطيع بشر أن يقف عليه، ومن أراد أن يقف فليعزل نفسه عنه، والحياد عذاب وخوف، إذا قدر لبشر أن يوضع بين الجنة والنار فسوف يتألم إذا نظر للنعيم وهو عنه بعيد، ويرتعد لرؤية النار وهو يتحسس قدميه حتى لا تنزلق وتهوى به في الجحيم. آخر سطر: قادم إليك بلهفة الموج إلى الشاطئ، إنه أنا الذي أبحث عنك وأتمنى…. ألا أجدك!