شهدت السنوات العشر الماضية نقاشاً متزايداً في وسائل الإعلام حول قضية زواج الأطفال والعنف الأسري في المملكة العربية السعودية، بيد أن هناك في مجتمعاتنا من يحاول تهميش هذه القضية ويعتبرها من الظواهر نادرة الحدوث، التي لا تستحق منا بالتالي كل هذا الاهتمام! ويرى هؤلاء أن بعض وسائل الإعلام تبالغ في تصوير القضية من أجل زيادة مبيعاتها، وربما تلجأ أحياناً لرواية أحداث كاذبة، الأمر الذي يؤثر في إمكانية الوصول إلى تقويم حقيقي لحجم المشكلة في الواقع. وتجدر الإشارة هنا إلى حالات لزواج القاصرات نالت اهتماماً إعلامياً كبيراً، كان من بينها حالة الطفلة اليمنية نجود علي، المطلقة على رغم أن عمرها لم يتجاوز العشر سنوات، وألفت كتاباً نال شهرة عالمية وترجم إلى لغات عدة، كما سمعنا أيضاً خبر الطفلة اليمنية الأخرى البالغة 12 سنة، والتي زوجت من شاب عمره 20 سنة، مما قاد إلى وفاتها مؤخراً بسبب أضرار فسيولوجية عقب الزواج مباشرة. أما في المملكة العربية السعودية فتأتي قصة فتاة «القصيم» لتؤكد أن هناك مسألة تستحق النقاش، حيث أقدم والد تلك الفتاة على تزويجها برجل سبعيني مقابل 85 ألف ريال وهي لم تتجاوز بعد الاثني عشر ربيعاً لتقوم والدتها برفع دعوى ضد الأب لموافقته على زواج ابنتهما الصغيرة، وحظيت القضية باهتمام من منظمات حقوق الإنسان الحكومية وغير الحكومية وكذا دعم المحامين، لكن الأم سحبت القضية التي كان يأمل الناس في أن تكون سابقة تمهد الطريق لمستقبل أفضل. ويتعلل البعض في سياق الجدل الدائر حول هذه المسألة بزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، من السيدة عائشة، رضي الله عنها، وهي بنت 9 سنوات. وهؤلاء لم يعطوا لأنفسهم حتى فرصة تأمل حقيقة تمكنهم من فهم هذه الواقعة على صورتها الصحيحة. وقد قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «والاستدلال بقصة عائشة فيه نظر، ووجهة النظر أن عائشة زُوِّجت بأفضل الخلق – صلى الله عليه وسلم- وأن عائشة ليست كغيرها من النساء، إذ إنها بالتأكيد سوف ترضى وليس عندها معارضة، ولهذا لمّا خُيرت – رضي الله عنها - حين قال لها النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا عليك أن تستأمري أبويك»؛ فقالت: إني أريد الله ورسوله، ولم ترد الدنيا ولا زينتها». وقال أيضاً رحمه الله: «فمن هذه حالها لو استؤذنت لأول مرة أن تتزوج الرسول - صلّى الله عليه وسلّم - هل تقول: لا؟! يقيناً لا، وهذا مثل الشمس، فهل في هذا الحديث دليل لهم؟! ليس فيه دليل». ثم إن هناك آراء مختلفة في تحديد عمر السيدة عائشة وقتئذٍ، ما بين التاسعة والتاسعة عشرة، حيث صارت قادرة على رواية الحديث وتبليغ الدعوة، ولكن الأسانيد الصحيحة تؤكد أنها كانت في التاسعة من عمرها وإنها كانت تتميز بنمو عقلي وجسدي له خصوصيته، وأيضاً لأن الناس في ذلك الزمان قد يكونون مختلفين فسيولوجياً عما هم عليه الآن، إضافة إلى أنه لا يمكن مقارنة مجتمع قوامه ستة وعشرون مليون نسمة بالجماعة الصغيرة التي كانت تحيا في زمن الرسول، خصوصاً أن مسألتنا هذه ليست من أصول الدين ولا من الثوابت؛ بل هي من مسائل الفروع التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص. وبعض الناس يأخذ بالعموم في فعل النبي في زواجه من عائشة وهي ابنة تسع سنين وإن هذا يعد فعلاً منه وليس بقول، وبعض أهل العلم من الأصوليين يعدون القول مقدماً على الفعل، وعلى هذا تصبح هذه الحالة من فعله دليلاً ليس في قوة القول وإرادة التبليغ. ونعود إلى عصرنا الحالي، لنجد تقارير عن فتيات أعمارهن 8 سنوات، وقد تزوجن برجال بالغين تبدأ أعمارهم من 18 سنة في أفضل الأحوال، بينما البعض الآخر تتجاوز أعمارهم 70 سنة في أسوئها. وعلى رغم أن تعميماً صدر أخيراً عن وزارة العدل السعودية إلى المأذونين ينص على أنه لا يجوز تزويج الفتيات الصغيرات لرجال أكبر سناً منهن بكثير، فإن هذا التعميم يعتبر بمثابة حل لمشكلة أخرى، لأن المشكلة التي نحن بصدد الحديث عنها هي التعاقد على تزويج فتيات صغيرات في السن، وليست مشكلة الفجوة العمرية بين الفتاة والزوج. ولا أريد هنا تكرار ما سبق من نقاش أو الدخول في المزيد من الجدل، إنما أريد أن أضيف إلى وجهات نظر المعنيين بالقضية أنه مهما كان نوع الجدل، فإننا جميعاً مسؤولون عن حماية أطفالنا ورعاية مصالحهم. وقد انضمت المملكة العربية السعودية إلى اتفاقية حقوق الطفل التي صدرت عام 1989، ويحدد التقرير الأول للاتفاقية الحد العمري الأدنى – من 15 إلى 18 سنة – الذي يخضع الطفل فيه للعقاب حال اتجاره بالمخدرات، ويتم عندها قبوله في وظائف القطاع العام، ويمكن أن يعاقب عند بلوغه هذه المرحلة بالسجن حال انتهاكه القانون، ويلتحق بالقوات المسلحة في هذه المرحلة السنية، ويصبح له الحق في رفع دعوى أمام القضاء، وأن يلتمس الاستشارة القانونية أو الطبية من دون إذن من أبويه. وتقسّم المملكة العربية السعودية الطفولة إلى أربع مراحل: من الميلاد حتى سن 7، ومن سن 7 إلى 10 ومن سن 10 إلى 15 ومن سن 15 إلى 18. لا حد قانونياً أدنى لسن الزواج في السعودية في عام 2000، انضمت المملكة العربية السعودية إلى اتفاقية عام 1979 لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مع تحفظ عام على النصوص التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وتنص المادة 16/2 من هذه الاتفاقية على عدم شرعية تزويج الفتيات صغيرات السن، وتوجب على الدول سَنّ قانون يحدد الحد الأدنى لسن الزواج. ووفقاً لاتفاقية حقوق الطفل، تنتهي مرحلة الطفولة في سن 18 ما لم ينص القانون المحلي على سن أدنى من هذه السن. وفي حين أن سن البلوغ (18) لا يكون دائماً مرادفاً للحد الأدنى من سن الزواج، إلا أن هذا ينطبق على كثير من الدول التي تجيز الزواج في سن السادسة عشرة بشرط موافقة أبوية. ولم تصوّت المملكة لمصلحة المادة 16 من الإعلان العام لحقوق الإنسان الذي صدر عن الأممالمتحدة عام 1948، لأنها تمنح الرجال والنساء الحق في الزواج بغض النظر عن الديانة، بينما في الشريعة الإسلامية لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج سوى رجل مسلم، كما أن المادة 16/1 تمنح الحق في الزواج للنساء والرجال الذين بلغوا سن الرشد، وهو ما يستوجب تحديد السن التي يصبح فيه «قانوناً» الصبيان رجالاً والفتيات نساءً في ما يتعلق بحق الزواج، وكذلك ما يعنيه مصطلح «سن البلوغ أو الرشد». ووفقاً للمذهب الحنبلي السائد في المملكة العربية السعودية، يجوز للأب أو الجد الموافقة على زواج ابنته أو حفيدته إذا كانت دون سن التاسعة أو كانت بكراً قبل أو بعد سن البلوغ أو ثيباً، لكنها لا تزال قاصراً دون استئذانها لرجل يتمتع بالقدرة الجسدية والعقلية، والمرأة البكر التي بلغت سن الرشد أو المرأة الثيب التي يتجاوز عمرها 9 سنوات ينبغي أن توافق على الزواج. بيد أن المعاشرة الزوجية ينبغي ألا تحدث قبل بلوغ المرأة سن الرشد. والسبب التاريخي وراء موافقة الأب على تزويج ابنته، التي لم تبلغ بعد سن 9 سنوات أنه كان يخشى ألا يجد لها زوجاً أفضل لاحقاً إذا هو رفض هذا الشخص، الذي جاء لخطبتها، كما كان الأب يعتبر أنه من الإضرار بمصالح الفتاة تضييع هذه الفرصة عليها. لذلك كان يرى أنه من واجبه الديني أن يوافق على خطبة ابنته إذا تقدم لها من هو أهل للزواج منها، على رغم أنه من المنظور الإسلامي الشرعي، ينبغي على الأب أن يركز على الاضطلاع بمسؤوليته كاملة حيال ابنته وأن يؤمن بأن الله سوف يرزقها بالزوج المناسب، عندما يحين الوقت، بدلاً من أن يتخلى عن مسؤوليته عن ابنته من خلال الاتفاق على زواجها. وأصبحت أخيراً مبررات بعض الآباء في الاتفاق على تزويج فتياتهم الصغيرات تنحصر في المكاسب المادية التي يحققونها لأنفسهم، ويرى البعض أنه ربما يكون من مصلحة الفتاة أن تتزوج وهي صغيرة السن وأنه من الضرر بالنسبة لها أن تنتظر حتى تبلغ السن القانونية للزواج، لكن الواقع يؤكد أنه إذا تزوجت الفتاة قبل أن تبلغ السن القانونية للزواج، التي تحددها السلطات المحلية المختصة، فإن الضرر الذي سيلحق بها حينئذٍ سيفوق المنفعة، فالطفلة لن تنتفع بزواجها إذا طلبت بصورة قانونية الطلاق في سن الرشد وربما تُعرض عن خوض تجربة زواج مستقبلية نافعة لها. وليس كل الآباء يتصرفون مثل الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته، فعلى رغم أن نظامنا يفترض أن كل الآباء أسوياء، تفيد التقارير الخاصة بزيجات الأطفال عادة بأن الأب يعاني من مشكلات في ما يتعلق بالصحة العقلية، ويتسم بكراهية النساء وبإساءة استخدام ممتلكاته وبأنه يريد التخلص من المسؤولية عن الأبناء أو يتسم بالتسلط الأسري، وفي كثير من زيجات الأطفال يقوم الأب بتحديد مهر الزواج ليس حفاظاً على حق ابنته، وإنما لتحقيق منفعته الشخصية، وفي حالات أخرى يكون الآباء غائبين ولم يروا بناتهم من قبل لسنوات طويلة ثم يعودون بهدف تزويجهن، بغية تحقيق مكاسب مادية، أو انتقاماً من زوجاتهم السابقات. وتلقي أربع حالات تمت مناقشتها في مطبوعات محلية، من خلال مقابلات مع الآباء والأزواج شملت صوراً لهم - الضوء على مشكلات زيجات الأطفال، حيث اشتكى بعض الأزواج من أن زوجاتهم اللواتي هن في سن الطفولة ينمن لفترات طويلة، وكانوا يزدرون كسلهن أو لعبهن في الشارع مما ينعكس على عدم أدائهن لواجباتهن الزوجية والمنزلية، والتي يرون انها تشمل الواجبات المنزلية واستقبال الضيوف. إن واجبات الزوجة من المنظور الإسلامي تشمل المعاشرة الزوجية والإنجاب والرضاعة وليس القيام بأعمال المنزل، وهي أمور فوق طاقة الطفلة، مع العلم أن الأطفال والمراهقين يحتاجون إلى ساعات نوم أطول. ويشتكي أزواج آخرون من أنهم لا يستطيعون الحديث مع زوجاتهم اللواتي هن في سن الطفولة، وأنهم يقومون بضربهن لعدم فهمهن لاهتماماتهم. وقد يجادل البعض بأن عقود زواج الأطفال لا تتضمن المعاشرة الزوجية، لكن من يراقب أو يضمن ذلك، كما أن مسألة المعاشرة الزوجية والإنجاب ليست هي المشكلة الوحيدة، فهناك أيضاً ضغوطاً نفسية واجتماعية تفرض على الطفلة، كما هو الحال بالنسبة لطفلة من منطقة «القصيم» تزوجت في سن السابعة وترملت في سن التاسعة، وتعرضت للانتقاد في المجتمع للعبها خارج البيت خلال فترة الحداد وهي ترتدي ملابس الحداد. وقد وجدنا حالة صبي من الجنوب في عمر 11 سنة زوج من ابنة عمه للاحتفاظ بملكية الأرض داخل الأسرة. ويثار الجدل بأن زواج الأطفال في إطار ظروف كل حالة على حدة وفي ضوء تطور كل حالة فسيولوجياً يضع في الاعتبار حقوق الأفراد، لكنه غير مناسب في الوضع الراهن، فلا يمكن أن نقارن مجتمعاً يضم 26 مليون نسمة بالمجتمع الصغير، الذي كان موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث كان الناس يتزوجون في سن صغيرة لأنهم كانوا يموتون في سن صغيرة مقارنة بالوقت الحالي، وفي حالة الأثرياء، كان الهدف من الزواج في سن صغيرة هو الحاجة إلى أبناء يرثون أموالهم، لكن معدل الأعمار زاد كثيراً في وقتنا الراهن، وهذه المسألة ليست قاصرة على المجتمعات الإسلامية، بل هي ظاهرة كانت موجودة في كل مكان، ويكفي التذكير بأنه كانت تتم زيجات مشهورة بين العائلات المالكة الأوروبية لأغراض سياسية كوراثة العرش أو التحالف مع الغير. ويتغير المجتمع وتتغير الرفاهية فيه في كل حقبة زمنية حسب الظروف، وهو ما تسمح به الشريعة الإسلامية وتحض على قيام السلطات بدفع الضرر، فإذا قام الحاكم بتطبيق أحكام الشريعة على قضية زواج الأطفال من أجل منع الضرر (درء المفاسد)، وإذا تم تقديم ذلك على تحقيق المنافع (جلب المصالح)، فإننا يمكن أن نُعمل جوهر الشريعة ومقاصدها الحقيقية لتحديد سن الزواج، فبينما لا يستطيع ولي الأمر تغيير أو تقييد أحكام الشريعة، فإنه يستطيع الاجتهاد لتنظيم عملية تطبيقها وتحقيق مقاصدها، والرأي الذي يختاره الحاكم سوف ينهي أي خلاف حول هذه القضية، وقد تناول علماء مثل الماوردي في كتاب «الأحكام السلطانية» وابن تيمية في كتاب «السياسة الشرعية» هذه الأمور في كتاباتهما حول الشريعة والسياسة. وقد قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقاً، فها هو عمر -رضي الله عنه- منع من رجوع الرجل إلى امرأته إذا طلقها ثلاثاً في مجلس واحد، مع أن الرجوع لمن طلق ثلاثاً في مجلس واحد كان جائزاً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وسنتين من خلافته، والراجح أنها واحدة». ومنع من بيع أمهات الأولاد - فالمرأة السرية عند سيدها إذا جامعها وأتت منه بولد صارت أم ولد- في عهد الرسول وأبي بكر، كانت تباع أم الولد، لكن لما رأى عمر أن الناس صاروا لا يخافون الله، ويفرقون بين المرأة وولدها، منع - رضي الله عنه- من بيع أمهات الأولاد. لقد اتفق الجميع على أن الأم مدرسة، لكن عندما تكون الفتاة أماً، وهي في المدرسة الإبتدائية فلن يكون لديها الكثير الذي تعلمه لأبنائها، فالطفلة التي لم تصل إلى سن المراهقة أو تلك التي وصلت إلى مرحلة المراهقة المبكرة لا تعلم أي شيء عن الزواج ودوره الاجتماعي، وبالتالي يجب توعية طرفي الزيجات بمعنى وأهمية الزواج ويجب أن يقبلا بذلك الزواج من دون ضغوط أو غرر. إن الحديث الذي يقول فيه الرسول: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»، موجه للشباب وليس للأطفال، فالزواج يهدف إلى منع الزنى وبناء أسرة ويتطلب أن يكون لدى الرجل القدرة المالية على ذلك، والتي يمكن أن يمثل غيابها مؤشراً على عدم اكتمال النمو الجسدي والعقلي، وبالتالي أرى أنه من الأنسب أن يدعو أئمة المساجد وأولياء أمور الأطفال والمراهقين إلى الصوم كعلاج بدلاً من إلقاء مسؤوليتهم للمجهول، وإذا طلبت فتاة في سن الثالثة عشرة الزواج، يجب أن ينصحها والداها ويجب أن يقوما بحماية عفتها حتى تصل إلى السن القانونية للزواج، وهذه برأيي النظرة الشمولية الأكثر صدقاً تجاه ديننا الحنيف. ومن ناحية اقتصادية تلتحق النساء بسوق العمل من أجل المشاركة في إعالة أسرهن في الطبقات الفقيرة وحتى المتوسطة، وأيضاً قد تأتي مشاركة المرأة المقتدرة جزءاً حتمياً من مسؤوليتها الاجتماعية والوطنية ومن طموح الأم والأب الطبيعي تجاه أولادهم وتقديم أفضل أنواع التعليم لهم والسعي لرفاهيتهم. والفتيات أن يحصلن على شهادة إتمام المرحلة الثانوية أو التعليم المهني والتمكين الذي يؤهلهن للعمل ومجاراة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحديث وذلك لا يمكن أن يتم قبل أن يبلغن سن 17. ووفقًا للحديث الشريف المشار إليه سابقاً، فإن الشباب يحتاجون إلى (الباءة) وهي القدرة المالية على بناء أسرة. ولكن مع ارتفاع نسبة الطلاق المتزايدة في مجتمعنا في شكل واضح، أصبحت أعداد المطلقات والأرامل تشكل عبئاً على المؤسسات الخيرية الحكومية والخاصة. وما زالت تترك الطفلة أو المراهقة تعليمها من أجل الزواج ثم يطلقها زوجها ويهرب من المسؤولية تاركاً إياها وأطفالها بلا مُعيل وللأسف هذه من الظواهر التي أصبحت منتشرة في كل مكان في ظل الضغوط الحياتية المعاصرة وكثرة التشتت في المجتمع الكبير باختياراته المتوافرة. ولا يزال البعض يرى أن تزويج الفتيات صغيرات السن لرجال بالغين يتمتعون برفاهية مادية هو الصفقة الكاسبة التي تضمن لهم السعادة. ولا أقصد هنا عدم التفاؤل ولكن إعداد الإنسان يأتي أولاً كما في الحديث الشريف (اعقلها وتوكل). وقد أخذت الجمعيات النسائية مثل جمعية الوفاء الخيرية النسائية، وجمعية النهضة الخيرية النسائية التي أسستها الأميرة عفت الثنيان آل سعود زوجة الملك فيصل رحمهما الله سنة 1395ه، على عاتقها توفير الملاذ الآمن للمعنفات من النساء والقاصرات بالتعاون مع أجهزة الدولة. وقد انبثقت منها في العام الماضي حملات توعوية عن العنف الأسري وأضرار الزواج المبكر شملت مناطق مدينة الرياض وكانت هذه الحملة تستند إلى دراسات وإحصاءات قامت بها عضوتا جمعية النهضة الخيرية النسائية الدكتورة الجازي الشبيكي والدكتورة لانا بن سعيد. إن توفير الحماية والأمان للأسرة كانت وما زالت من أهم استراتيجيات المملكة العربية السعودية والاهتمام الملموس والمميز الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله - لقضايا المرأة والطفل في مجتمعنا بهدف تذليل أي عقبات يمكن أن تعوق النهوض بهما أو ضرر يلحق بهما. لقد أمر حفظه الله بتأسيس «مركز الأمان الأسري الوطني» في مستشفى الحرس الوطني في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2005، وتترأسه الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز ونائبتها الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز، والذي يعنى بحالات المعنفين من نساء وأطفال إناث وذكور والتحقيق في حالات العنف وعلاجها، وضمان استمرار الحفاظ على سلامتهم وأمنهم الاجتماعي، وتشرف على إدارته الدكتورة مها المنيف طبيبة الأطفال، والتي لها خبرة لسنوات طويلة في هذا المجال ودراسات علمية وإحصاءات. في الوقت نفسه، يجب أن تتضافر جهود الدعاة وعلماء الشريعة الإسلامية وعلماء النفس والاجتماع من أجل مؤازرة أصحاب القرار، خصوصاً أن مسألة زواج القاصرات ذات حساسية شديدة لأنها ليست مسألة قانونية فقط أو اجتماعية، بل شرعية في المقام الأول. وختاماً، يأمل غالبية المعنيين بهذه القضية أن تقوم الجهات المسؤولة بسن قانون شرعي ونظامي واجب التنفيذ، مع تحديد عقوبات واضحة يتم تنفيذها على ولي الأمر الذي يوافق على تزويج طفلته، والمأذون الذي يوثق هذا الزواج، وذلك من أجل منع زواج الفتيات الصغيرات، كما ينبغي تأسيس سلطة تراقب حالات الخطبة والزواج، ففي الوقت الذي يثور الجدل حول ضرورة أن يكون الحد الأدنى لسن الزواج في المملكة العربية السعودية 16 أو 18 سنة، تتم الموافقة على تزويج فتيات تقل أعمارهن عن 9 سنوات. * باحثة في مجال حقوق الإنسان