نيروز وندى ابنتا بلعيد أن تلتقي بسمة الخلفاوي، أرملة المعارض التونسي البارز شكري بلعيد، في أربعينية زوجها، فعليك أن تجد كثيراً من القوة والرغبة الملحة في الحديث معها، وأن تكون حذراً في كل ما تقول، فأقل كلمة قد تجرحها، كيف لا وهي زوجة من طالته يد الغدر لتزهق روحه بخمس رصاصات أمام باب منزله صباح ال 6 من فبراير الماضي. انتقلنا إلى منزل بسمة الخلفاوي الكائن في المنزه السادس في تونس العاصمة، وعند باب المنزل رصدنا حركة لا تهدأ، إنها أربعينية الفقيد. كانت تجلس واثقة للغاية على أريكة في صالة المنزل، تحاول أن تقرأ وجوه الحاضرين وتمنح بعض الموجودين قوةً تعينهم على مواصلة المسيرة. بدت هادئة للغاية ولكن في عينيها إصرار أمة تحاول ألا تقع وأن تعلِّم الجميع أن بلعيد كان فكرة والفكرة لا تموت. الرسالة: قفوا لتونس بدأنا حوارنا وفي القلب غصّة، كانت شاركت للتوّ في مراسم أربعينية زوجها، فهل من رسالة تريد أن ترسلها؟ شابة تونسية تشارك في أربعينية بلعيد أجابت بسمة على «الشرق» بقولها ‹›الرسالة التي أردت إيصالها واضحة، وهي ألا نتوقف، وألا نخاف الإرهابيين والقتلة، وألا نتعطل في مسيرتنا الثورية، وأن يكون دم الشهيد شكري بلعيد حافزاً لكل التونسيين لتحقيق الديمقراطية والحرية ودعم الديمقراطية في الوطن العربي، هي رسالة: قفوا لتونس››. رغم الجرح، مازالت هناك بسمة على شفاه زوجة بلعيد، هي تؤكد بشجاعة أن ‹›القتلة أرادوا إيصال رسالة الخوف وأنهم قادرون على توقيف صوت العقل وإسكاته، وقادرون على إسكات صوت الحداثة والصوت الطليق والصوت الذي يقول لا، والذين قاموا بالعملية لا يعرفون المجتمع التونسي ولا يعرفون أننا نملك الطاقة للخروج من المحنة». الكشف عن المدبر في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن إيقاف بعض العناصر المتورطة في اغتيال بلعيد، فكيف ترى بسمة الخلفاوي ذلك؟ أجابت قائلةً «الأهم من القبض على منفذي اغتيال زوجي أن كل الفرضيات قائمة، والأهم من ذلك أيضاً هو الكشف عن الطرف الذي يقف وراء هذه الجريمة التي أعتبرها جريمة منظمة جداً، من الجيد معرفته من نفَّذ؟ لكن بالنسبة إليّ من المهم جداً معرفة من أصدر الأوامر، نطالب بمحاكمة الجناة وبالمضي في التحقيق ومعرفة كل شيء»، مشيرةً إلى روابط تلقى حماية من النظام ومطالبةً بحلها فوراً لأن «المجتمع التونسي بأكمله لم يتوقف منذ أشهر عن المطالبة بحل هذه الروابط»، حسب قولها. سألناها «هل تعتقدين أن من الممكن وقوع اغتيالات أخرى بعد اغتيال زوجك؟»، فأجابت وهي تضع يدها على رأس ابنتها وتداعبها برفق «إذا قرأنا الأحداث التي وقعت في الفترة السابقة والتصريحات التي صدرت بشأن وجود قائمة تضم عدداً من الشخصيات السياسية المعارضة المطلوب استهدافها واغتيالها، وعلى رأسها الشهيد شكري بلعيد الذي تم اغتياله بالفعل، لاستنتجنا أنه من الممكن أن تقع اغتيالات أخرى». وتابعت «الملاحظ أن الشخصيات المستهدفة في قائمة الاغتيالات التي أُعلِنَ عنها لا تضم شخصيات محسوبة على تيار الإسلام السياسي وإنما تضم فقط المعارضين التقدميين والحداثيين، وهذا في رأيي خيار الإرهابيين في تونس فهم اختاروا أن يقسموا البلد إلى نصفين ويدخلونا في صراعات نحن والبلد في غنى عنها، وليست بالأساس من أصل هذا المجتمع، فنحن جميعاً مجتمع مسلم ويعيش في تعايش واحترام مع أصحاب الديانات الأخرى». وأكملت «هناك أيضاً صحفيون تونسيون صرَّحوا للرأي العام بأن هناك ما يفيد بوجود جهازٍ موالٍ داخل وزارة الداخلية قد يكون مجهزاً للقيام بالاغتيالات، لذا فلا أستبعد أن تكون هناك اغتيالات جديدة». مسؤولية الغنوشي مجدداً تونسية تبكي بلعيد في أربعينيته (الشرق- خاص) وجددت بسمة الخلفاوي تحميلها زعيم حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، راشد الغنوشي، مسؤولية اغتيال زوجها، وأوضحت «حملت الغنوشي المسؤولية السياسية وراء الاغتيال، فهناك بعض الأعضاء داخل حزبه قاموا بالتحريض على العنف والقتل، ومنهم من أباح وأهدر عبر المساجد دم الشهيد بلعيد، ثم إن النهضة باعتبارها حزباً حاكماً لم تقم بحماية حياة بلعيد ولا غيره من المناضلين السياسيين». وتساءلت :»ما الذي يريده المجتمع الدولي وأهل تونس أكثر من هذه الأدلة على وجود المسؤولية السياسية في هذا الاغتيال؟». طلبنا منها معرفة حقيقة ما راج في الفترة الأخيرة عن حصولها هي وابنتيها على الجنسية الفرنسية، فردّت «أتحدى أي أحد أن يثبت هذه الأخبار التي اعتبرها تهريجاً»، وشدَّدت على عدم حصولها على الجواز الفرنسي مع ابنتيها عملاً بتوصية بلعيد الذي قال لها: «نحيا ونموت في تونس أنا وابنتيّ». أكدنا لها أن هناك من يشبِّه نيروز ابنتها الكبرى بزوجها، فهل تخاف اليوم عليها؟، أجابت وهي تحاول الابتسام «نعم نيروز تحمل ملامح زوجي وصبره و إصراره وكلَّما نظرت في وجهها رأيت زوجي ولكني لن أخاف لأنهم يريدون منا الخوف، في الوقت نفسه طلبت من وزارة الداخلية الحماية لي ولنيروز، 8 سنوات، ولندى، 4 سنوات، ولم تستَجِب حتى الآن». المعركة طويلة تركنا لها في نهاية حوارنا معها كلمةً أخيرة فقالت «بالنسبة لي ولجميع المقاتلين من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، نعلم جيداً أن معركتنا مازالت طويلة ضد القوى الظلامية والرجعية وأن ضريبة الحرية غالية ولكن ذلك لن يمنعنا من مواصلة مسيرة الشهيد شكري بلعيد في تحقيق العدل والمساواة الاجتماعية لأنه مات وهو يقاتل من أجلها وكما ذكرت سابقاً من اعتقد واهماً أنه قتل بلعيد فهو واهمٌ لأنه فكرة». غادرنا المنزل ونحن نشاهد جمعاً من المواطنين وهم يضعون الورد تحت تمثالٍ صغير وُضِعَ مكان سقوط بلعيد مقتولاً، فيما كان بعضهم الآخر يقبِّل صوره، تأكدنا حينها أن الرجل فكرة لا تموت. علم تونس وزهور على قبر بلعيد