ردود الفعل تجاه أي فكرة أو رأي لدينا لا يمكنك الاعتماد عليها كثيراً لسبب رئيس وهو أن خلافاتنا وأمورنا الشخصية معيار ثابت وحاضر -لا يمكننا التخلي عنه- عند النقد أو التحليل لمضمون الفكرة أو الرأي. طبيعي أن يصدر رأيي وفق ظروفي وفي حدود مساحة التفكير والقراءة والحكم التي أجيدها وأتمتع بها، والمعلومة التي أمتلكها والأدوات والمقاييس التي أعتمدها، وأجتهد وفقها. لكن المعيب -في الوقت الذي تنتظر نقداً مهنياً يقوّم خطأك ويزيد فكرتك نضجاً- يأتيك من ينسف جهودك وأفكارك؛ ليس لأنها خطأ يستحق المحو والإزالة؛ وإنما لأنها تتعارض مع أفكاره، أو مصالحه، أو من يقرأ ويفكر ويتأمل لأجلهم! الأمم التي أفلحت اعتمدت النقد العلمي المهني للأفكار والأطروحات وأوجدت من نصف الفكرة فكرة عظيمة كانت قوام حياة، وأساس مستقبل مجتمعاتها؛ بفضل اتباعها معايير نقدية مهنية لا حضور للأهواء فيها، والأمم الضعيفة لم تتردَّ إلا لأن مفكريها ينحرون الفكرة التي لا تروق لهم أو توافق أهواءهم خشية منها أو من مصدرها.