تشهد معشوقتي الفاتنة، عاصمة الفكر، رياض الأدب، هذه الأيام تظاهرة ثقافية مميزة واستثنائية بأحداثها هذا العام، قامت الوزارة وأعني وزارة الثقافة والإعلام بجهود جبارة مشهودة ومشكورة لإنجاح هذا المهرجان المعرفي والكرنفال الأدبي (معرض الرياض الدولي للكتاب 1434-2013) من حيث التنظيم والتنسيق والترتيب ودعوة المشاركين وأمور أخرى تحمد لشخوص موظفيها كالدكتور ناصر الحجيلان الذي دائما ما كان لحضوره من أثر فعال في التزام الحد الأدنى للرقي بمفهوم فن الاختلاف، والرائع الآخر محمد عابس الذي كان محترفا في وأد بداية أي سلوك غير حضاري أثناء الحوار عملا بشعار الوزارة لهذا الموسم «الحوار ثقافة وسلوك»، وجهود العشرات من الباحثين والباحثات وأعضاء اللجنة الثقافية برئاسة الوقور أستاذنا الدكتور مرزوق بن تنباك ومجهودات بعض أعضاء النوادي الأدبية (وهم قلة قليلة)، كل ذلك أسهم في إنجاح هذا المهرجان الثقافي بنسبة مقبولة معقولة جدا حتى كتابة هذه السطور مساء السبت. ومن بهو فندق مداريم كراون؛ حيث تتم استضافة المشاركين في المعرض. ازدحام المركبات في مواقف السيارات وأمام بوابات الدخول ليس مزعجا جدا ككل عام، فالتنظيم أفضل هذه السنة. مئات من دور النشر المختلفة تزخر بما لذ وطاب لغذاء العقل، الحضور الحضاري لمعظم رواد المعرض والقائمين عليه كان بحق مثار إعجاب المنصفين، اختفاء ظاهرة الاحتساب العشوائي المقيت والدور الإيجابي والفعال لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحضور حضاري جميل حتى تاريخه من أبرز المشاهدات، البرنامج الثقافي الكامل الدسم كان ولايزال موفقاً جداً رغم غياب واسيني الأعرج (أحد الضيوف المدعوين) عن الفعاليات وعن محبيه -وأنا منهم- منتصف ليل الجمعة الماضي وكما علمت لاحقا أنه غادر الرياض. حديث الدكتور موفق الرويلي والدكتور عبدالله القحطاني والموسى عن الشهادات الوهمية وغواية الدال واستغلال هذه المناسبة كان بحق مهرجاناً لوحده وانتصاراً للثقافة والسلوك الإنساني، حضور الشريف وهيئة مكافحة الفساد في (الفساد قضية) كان الأبرز في البرنامج، تلاقح الأفكار والثقافات والتقاء الأدباء والمفكرين والصحفيين والشعراء بزملائهم وأصدقائهم ومريديهم أنتج مزيجاً لطيفاً من الرقي الثقافي، سلوك النضج المعرفي لدى شريحة كبيرة من هؤلاء كان نبوءة جميلة عن مستقبل معرفي وثقافي حقيقي في قادم الأيام، شخصيا التقيت بكثير من الأحباب والمعارف والزملاء والأصدقاء وكانت فرصة لرؤية قامات أدبية من مختلف أرجاء الوطن العربي، كثير لم ألتقِهم سابقا إلا بين أوراق مجلداتهم وكتبهم ورواياتهم. المنغصات كوفاة أستاذنا المرحوم ابراهيم الحميدان أحد أعمدة الرواية السعودية ثاني أيام المعرض، وبعض دلائل الردة الثقافية والحضور الطاغي للشللية وسقوط أقنعة البعض وتعمد تصفية الحسابات بشكل مزعج للحس الإنساني كانت أكبر السلبيات، بهو الفندق شهد من ذلك كثيراً وأروقة المعرض أيضا وإن كان يتم احتواء المواقف بسرعة كبيرة، وفي أحايين كثيرة عن طريق الفزعة الثقافية من أجل مشهد حضاري أكثر رقيا في عيون مشاهديه بدافع وطني وإنساني بحت كما رأيت ذلك ووقفت عليه وليس من رأى كمن سمع؟ أبو وشل -وهكذا أحب أن أناديه- عبده خال قامة سعودية في عالم الرواية والأدب وإن صنفه البعض -وأنا منهم- في مجال الفكر كمفكر غير محافظ، روحه جميلة يقبل الرأي الآخر لا يصادره ممن لهم بعض التحفظات على جزئيات في عالم عبده خال من أمثالي، يتحدث مع الجميع وللجميع، حرصت على رفقته معظم الوقت للحديث عن مشروع التصالح الثقافي الذي يحملني وأحمله يباركه عديد من اللطفاء من المثقفين والمثقفات الذين التقيت بهم، كانت الأمور تسير بشكل لطيف البارحة حتى منتصف الليل حين توجه الأغلبية إلى القاعة في الطابق السفلي من الفندق، تأخرت عن الركب قليلا في حديث لطيف مع زميلة أكاديمية حول كتابها الأخير الذي وقعته في معرض الكتاب، زميلة أخرى كانت تجمع حقائبها للعودة إلى مدينتها، نزلت في خطوات عجلى للقاعة، حين دلفت إلى الداخل كنت أرى وجه محمد عابس (عابس جدا) فأيقنت أن هناك ما يريب، لم أكد ألتقط إشارة أحد الأصدقاء الذي أشار إلى الكرسي بجواره حتى تلطخت مسامعي بعبارات وجمل لا تليق بعامة الناس والدهماء فضلا عن مثقفين يفترض أن يجيدوا فن الاختلاف وأدب الحوار خاصة في جلسة لفها الحزن على الحميدان وكانت مخصصة لتأبينه، كان الناقد والروائي زياد السالم يوجه هجوما عنيفا ل «عبده خال»، كانت القذائف المتبادلة من الاثنين ومريديهم تمر بأزيزها جوار أذني المتعبة، عبده خال قال إن جيله لم يتربَ على الروايات ويتمازج معها على يد الحميدان وإن الفضل يعود للغرب وروائييه في ذلك فثارت ثائرة زياد بزيادة عن الحد المقبول اعتقادا منه أن ما يقال يعتبر انتقاصا وتقليلا من قامة بحجم الحميدان، أقل ما قيل ومن الممكن أن يكتب هو وصفه بالضفدع الذي يقفز متنقلا بين الأشجار وليس كالصقر الحر الذي يرى الجغرافيا من أعلى وأن عبده لا يجب أن يوصف حتى بكاتب رواية مبتدئ! أبو وشل أيضا ثارت حفيظته فقاطع المتحدث ووصفه بأنه لا يفقه شيئا في الكتابة! وبإسقاط مبيت قال إنك تشاهد أفلاماً مصرية حين تقرأ الرواية وهذا سبب تأثرك! للحقيقة أغلب الموجودين كانوا إلى جانب عبده خال، تحدثت متداخلة بصوت متهدج متأثرة بما حصل وغادرت مسرعة! باحترافية لملم عابس ما يمكن لملمته وتفرق الجمع برفض طلب المصافحة والسلام من الاثنين على بعضهما رغم محاولات الكثيرين!