إن المحك الحقيقي للأشخاص كأفراد ومجتمعات هو التعامل مع الأزمات أو اللحظات الانفعالية، وكثيراً ما يقع الإنسان في الأخطاء ويتخذ قرارات خاطئة أثناء ثورة الانفعالات، وسيادة التفكير العاطفي، ففي لحظات الغضب يقع القتل والطلاق، ولحظات الحزن تحصل العزلة والانقطاع، ولحظات النشوة والفرح المبالغ فيها يضعف الإدراك والاتزان لدى المراهقين وتقع الحوادث والانفلاتات السلوكية، ونفقد القرارات العقلانية عندما تتحرك رغباتنا وتستثار غرائزنا، إن علاقة الانفعال بالتصرف أو السلوك والتفكير علاقة دينامية، أي علاقة تأثير وتأثر وتفاعل. وقد اعتدنا أن لا نكون بمعزل عن الأحداث الاجتماعية ونحاول أن نقدم التفسير النفسي والاجتماعي لها، وخصوصاً الأحداث التي تكون كمؤشرات على نوعية الخلل داخل المنظومة الاجتماعية، ومن تلك المشكلات ما راج في المجتمع في الأسابيع الماضية عن «قضية الأثيوبيين» على المستوى الإعلامي والشعبي الاجتماعي، أما على المستوى الرسمي لم يكن هناك ما يدعو للقلق، فكانت الأخبار مطمئنة ولا يوجد ما يدعو لهذا الخوف المبالغ فيه، وقد كتب كثيرون عن هذه الأزمة، فالبعض يرى أنها أزمة مصطنعة ولا يمكن التعميم من خلال أحداث بسيطة، والجهات الأمنية كفيلة بالتعامل معها، وآخرون كتبوا عنها بأنها أزمة كبيرة. إن الخلل الذي ظهر في الجانب النفسي والاجتماعي هو: قابلية المجتمع لترويج الإشاعات، والنزعة العنصرية التي ظهرت بشكل مقيت، وسهولة اتخاذ المواقف وتعميمها. وما يفسر النزعة العنصرية أن الاتجاهات النفسية نحو موضوع ما بالكره أو الحب لا يمكن أن تتشكل بهذه السرعة، لأن الاتجاهات تحوي جانباً وجدانياً ومعرفياً عقلياً وسلوكياً، وعندما يكون لديك الاستعداد النفسي لشيء معين، بمجرد حدوث ما يُظهر الاستعداد، يتحول إلى قدرة جاهزة للاستخدام، فمن لديهم استعداد لمرض معين بمجرد ضعف مناعة الجسم أو الوصول لعمر زمني يظهر المرض، وقد كشفت مشكلة الأثيوبيين قابليتنا للاستثارة وجاهزيتنا للاستعداء، وسهولة رواج الإشاعات وتناقل الأخبار دون تثبت من الجهات الرسمية، والبعض اتخذ موقفاً في التعامل مع الأثيوبيين، هذه القابلية للاستثارة والسهولة في نقل الإشاعات وتبادل الأخبار مؤشر خلل اجتماعي تكشفه الأزمات التي يطغى فيها التفكير الانفعالي. وإذا ما أخذنا هذا الحدث لقياس مستوى الوعي العام للتعامل مع المشكلات والظاهرة الاجتماعية سنجد أن المجتمع لديه مشكلة في نقد الأحداث نقداً موضوعياً، من خلال ضعف ممارسة التفكير الناقد الذي يحتوي على الموضوعية، أي تحييد الذات بمشاعرها وانفعالاتها، ويتصف التفكير الناقد بالدقة والتمهل في إصدار الأحكام، وطرح الأسئلة والحجج المؤيدة أو الناقضة للحدث، كما يشمل استعراض مختلف الآراء والمعلومات وفحصها، التفكير الناقد يتضمن التفريق بين الحقيقة والرأي. إن التسرع في الأحكام واستخدام مصادر غير موثوقة، والتحيز أو البعد عن الموضوعية والتفكير المنطقي، ومسايرة الاتجاهات الشائعة دون تحكيم العقل، وسيادة التفكير الروتيني والخرافي، مؤشرات على خلل في منظومة وبنية المجتمع وطريقة تفكيره وتعاطيه مع الأحداث. وحتى ننبذ التعصب ينبغي ممارسة التسامح والتقيد بالقيمة الأخلاقية السامية التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بتطبيقها وهي «العدل والمساواة»، ولا تنسوا أن أول درس تلقيناه في العدل، إنصاف ملك الحبشة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.