اشتهر السامريون، أو كما يطلق عليهم الفلسطينيون بالسمرة، بفك السحر وقراءة الطالع، وقلائل فقط من اقتربوا من هذه الطائفة التي تجد كهنتها يتجولون في أحياء مدينة نابلس، بل تراهم يجلسون على مقاعد خشبية أمام مكاتبهم ومحلاتهم في شارع النجاح بمدينة نابلس، فمن هم السمرة وكيف انخرطوا في المجتمع العربي النابلسي، وكيف استوعبهم، وما هو شكل حياتهم، ولماذا لم يرحلوا عن نابلس؟ هذه التساؤلات وغيرها وجهتها “الشرق” لكهنة الطائفة، التي ما زالت ملتصقة بالجسد الفلسطيني، وما زالت تسكن على قمة جبل “جرزيم” في نابلس؛ لتبقى نابلس تحت مرأى العين كما هي تحت مرمى عدسات أبراج المراقبة الاحتلالية. يواجهك بابتسامة عريضة تعبر عن انتمائه للبلد الذي يعدّه إرثه القديم، يعتمر “اللفة” الحمراء على رأسه ويرتدي زياً أقرب ما يكون للقمباز العربي، يصرخ بأعلى صوته “إنني فلسطيني أحمل الهوية الفلسطينية”، والعداء بين السامريين وإسرائيل يفوق العداء العربي الإسرائيلي. الكاهن إسحق عمران السامري في السبعينات من عمره ينتمي إلى عائلة “لاوي” التي ينحدر منها الكهنة وهي أحد ثلاثة أسباط كما يقول سبط لاوي وإفرايم ومنسي والطائفة السامرية بالعبرية (شمرونيم) في فلسطين أصغر وأقدم طائفة دينية في العالم، وبالرغم من قلة عدد أفرادها تنشط في سبيل الحفاظ على موروثها التاريخي والديني، وذلك عبر تنظيم معارض لتراثها. ويضيف الكاهن، الذي يعدّ نفسه وطنياً فلسطينياً بحكم ما تعرض له ابنه من اعتقال لمدة ثمانية أعوام في السجون الإسرائيلية؛ لعدم التبليغ عن عملية استشهادية كان يعرف تفاصيلها، أن أبناء الطائفة فقط يسكنون جبل “جرزيم” (الطور) في نابلس وفي مدينة حولون داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948 وأن التواصل بين السامريين في المنطقتين وطيد. ويضيف أنه ولد في حارة الياسمين وفي عام 1927 حصل زلزال دمر منازل السامريين؛ فجاؤوا إلى شارع النجاح الذي ما زال يحتوي على كنيس قديم مغلق، وفي عام 1990 انتقلوا إلى جبل “جرزيم”. الطائفة مستهدفة من الاحتلال وعرج الكاهن السامري، الذي يدير مكتباً في حي الريحان في نابلس، وهو الحي الأصلي الذي تواجد به السامريون قبل نقلهم إلى جبل “جرزيم”، وأحاطتهم بالحواجز العسكرية ضمن منطقة عسكرية إسرائيلية يتعذر على المواطنيين الفلسطينيين دخولها إلا بتصريح من الاحتلال، على تفاصيل تأسيس جمعية “الأسطورة السامرية” التي تنظم معارض متنقلة على غرار متحفهم الديني الموجود في مكان سكنهم للتعريف بالطائفة السامرية عن قرب، وتبيان معتقداتها وتقاليدها وطقوسها وإظهار جمالية إرثها المتجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين. ويعدّ الكاهن إسحق عمران السامري أن طائفته مستهدفة من الاحتلال الإسرائيلي، وأن الرواية السامرية وانتماءها الفلسطيني عثرة أمام الخطاب الديني والتاريخي للفكر الصهيوني. ويحظى جبل “جرزيم” عند الطائفة السامرية بقدسية خاصة لدى السامريين، ويدعى أيضاً جبل الطور، ويعتقد السامريون أن سيدنا موسى عليه السلام كلم ربه من فوقه، ويقيمون عليه طقوسهم الدينية أثناء عيد الفصح، حيث يحتفلون بنحر الذبائح وتقديم القرابين وتأدية الفرائض والصلوات في العراء كل عام. ويضيف عمران أن الطائفة السامرية أصغر طائفة دينية في العالم لا يتجاوز عدد أفرادها 740 وترتزق من عمل أبنائها بالصناعة والتجارة وأن أبناء الطائفة يحملون الجنسيات الفلسطينية والأردنية والإسرائيلية، ويتلقى طلبتهم الدراسة في مدارس مدينة نابلس وفي جامعة النجاح الوطنية في المدينة نفسها. الطائفة تحتفظ بأقدم مخطوطة للتوراة ويؤكد عمران أن أي طالب من أبناء طائفته لم يلتحق بالجامعات الإسرائيلية، رغم حيازة الطائفة لبطاقات هوية إسرائيلية لا تجبرهم على الوقوف والتفتيش على الحواجز الإسرائيلية. ويضيف أن الطائفة السامرية تحتفظ بأقدم مخطوطة للتوراة معروفة حتى الآن، كتبت على رق في شكل لفائف، وتتمسك بعاداتها وتقاليدها وطقوسها الدينية منذ الأزمنة الغابرة. وعثر في هذا الجبل على معبدين يونانيين متصلين بأدراج ضخمة تنحدر إلى مدينة نابلس (بلاطة حالياً) وكذلك سور روماني وكنيسة بيزنطية، كما يوجد بالقرب منها مقام الشيخ غانم، وهو نقطة مراقبة إستراتيجية استخدمت في العصور الوسطى كمركز لنقل الإشارات، كما استخدمتها السلطات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية لغايات مشابهة. ويعدّ السامريون داود وسليمان ملوكاً وليسوا أنبياء، ويؤكد الكاهن عمران أن قبر سيدنا موسى عليه السلام لا أحد يعرف مكانه. ويقول كهنة السامريين أن مخطوطة سامرية على جلد غنم لا تزال محفوظة لدى السامريين، حيث كانوا يسكنون في القرن 12 للميلاد مدن وقرى نابلس، سالم، الفتوح، طولكرم، الشجرة الخير، كفل حارس (يعني أن الولي ذوالكفل المدفون بها حارسها)، بيت فاعور، عسكر، كفر وهبة، اللبن، يسوف، بيت فوريك، حوارة، سكاكة، قيسارية ألصورتين، تل اماتين، بيت مرين، حلب، الشام، الرملة، غزة، عورتا، جيت، ديراستيا، حارس، بعلبك، بديا، قراوة دير الغصون. تعرضوا للانقراض أكثر من مرة ويضيف الكهنة أنه في سنة 1035 للهجرة أوشك السامريون على الانقراض، ولم يبق منهم غير خمسة أشخاص وزوجاتهم في نابلس وعورتا والشام وغزة وصرفند، فجمعهم كاهنهم الذي كان يدعى “صدقة” في نابلس ليكونوا على مقربة من جبل جرزيم، واستمروا في سكنى نابلس. إلى يومنا هذا. وتعرض السامريون أكثر من مرة للانقراض فقبل 250 عاماً، انتشر بينهم -كما يقول الكاهن عمران- داء الكوليرا، ولم ينجُ منه سوى 86 شخصاً، وأن جد والده حصرهم في منطقة نقية حتى لا يفتك بهم المرض. ويضيف الكاهن عمران أن السامريين لا يتزوجون إلا من بعضهم البعض، سواء القاطنيين في نابلس على قمة جبل “جرزيم” أو الذين يقطنون مدينة حولون، وأن المرأة السامرية تعمل في جميع الوظائف، والكثيرات يعملن في مؤسسات السلطة الفلسطينية وفي بلدية نابلس، مشيراً إلى أن عدد الإناث لديهم أقل من عدد الذكور. وحول شهرة أفراد الطائفة السامرية وكهنتها بقراءة الطالع والبخت، قال الكاهن عمران إن الكهنة يعتمدون على الحسابات الفلكية وليس على الجن، بل إنهم لا يعترفون بالجن، وأن دورهم يرتكز على التوفيق وليس على التفريق. معاداة إسرائيل بسبب تملكهم توراة مغايرة من جهته قال الكاهن عزمي ناجي خضر السامري إن الطائفة السامرية في فلسطين تنتسب إلى بني إسرائيل تتبع “توراة” مغايرة عن تلك التي يتبعها اليهود في إسرائيل ويعدّونها الأصح كونها غير محرفة، ويتخذ السامريون من مدينة نابلس مقراً لهم، حيث يعيش غالبيتهم. ويعدّون جبل “جرزيم” جبلاً مقدساً يتجهون في صلواتهم نحوه ويتخذون من الجبل قبلتهم؛ لأنه ورد في التوراة، وذكر أن نابلس تقع بين جبلين، جبل “جرزيم” الذي يعدّ جبل “البركات” وجبل “عيبال” الذي يعدّ جبل” اللعنات” بمعنى أن المؤمنين بالدين الإسرائيلي يصعدون على جبل “جرزيم” ويباركونه، وغير المؤمنين يصعدون على جبل “عيبال” ويلعنونه. وأضاف أن السامريين يلبسون الزي الأبيض الموحد يوم السبت، وأنهم لا يمارسون به أية أعمال وأنهم يتوضؤون ويصلون الصبح والمساء من منطلق قناعتهم بأن هناك ملائكة في النهار وملائكة في الليل، وعليه تقام الصلاة عند تغيير الملائكة لدورهم، على حد وصفه. ويؤكد الكاهن ناجي على الطهارة، ويقول إن المرأة السامرية التي تنجب ولداً تعدّ جنباً لمدة أربعين يوماً، في حين أن المرأة التي تنجب بنتاً لا يقترب منها الرجل ثمانين يوماً. ويؤكد ناجي أن الطائفة السامرية تمتلك أقدم نسخة خطية للتوراة ويتكلمون العبرية القديمة، لغة الإشارة والتصوير، كل حرف منها يشبه أحد أعضاء جسم الإنسان، لهذا تعدّ أقدم لغات العالم أجمع ويحافظون على العادات والتقاليد العبرية القديمة، ويؤمنون بقدسية جبل “جرزيم”، ويعدّون اتخاذ القدس من قبل الملك سليمان مسألة سياسية، ولا يعترفون بما تدعيه إسرائيل عن هيكل سليمان. السلطة الفلسطينية تساعدهم ويشيد الكاهن عمران بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ويقول إن أبوعمار حفظ معروف شقيقه الكاهن سلوم الذي أخفاه عندما كان هارباً ومطارداً من الاحتلال الإسرائيلي، فكافأه الرئيس الفلسطيني الراحل بأن منحه عضوية المجلس التشريعي الفلسطيني، كما منح الطائفة السامرية تمثيلاً نيابياً. وأضاف عمران أن عرفات ساعد الطائفة السامرية في الوظائف وعين الخريجيين من الطائفة في وظائف السلطة الفلسطينية، إلا أن الأمر اختلف بعد استلام الرئيس محمود عباس حيث أصبحت العضوية في المجلس التشريعي بالانتخاب الحر، وليس بنظام الكوتا، وبالتالي خرجت الطائفة من المجلس التشريعي لصغر حجمها، إلا أنه قال إن “أبو مازن” سار على نهج أبو عمار فيما يتعلق بالاهتمام بالطائفة السامرية، مشيراً إلى مشاركتها في جميع المناسبات التي ترتبط بالسلطة. إسرائيل دمرت الآثار لأنها تناقض ادعاءاتهم ويتهم الكاهن عمران إسرائيل بخلط السياسة بالدين، وهذا ما دفعهم إلى تدمير منطقة “قمران” الأثرية في أريحا لإزالة الآثار بكاملها بعد أن وجدوا توراة أثرية حقيقية تؤكد التوراة السامرية. ويعتلي الكاهن الأكبر في الطائفة السامرية عرش الكهنة بالتوارث، حيث يتم تسليمه المنصب حسب أقدميته في العمر. ويقول عمران إن اليهود المتدينين في إسرائيل يغادرون الحافلات ويفرون هرباً منها إذا علموا أن سامرياً واحداً يستقل الباص أو المركبة. ويعدّ المتدينون اليهود في دولة الكيان العبري السامري إنساناً نجساً ولا يجوز التسليم عليه أو محادثته. السامريون أثناء صلواتهم (الشرق)