يبدو أن صحيفة «الشرق» الغراء أصبحت «مستهدفة بالقراءة» من أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وغيرها. عقب نشر مقالي الأسبوعي الأخير والمعنون: «النووي السعودي.. ضربة معلم في وقتها» فوجئت بأن مضمون المقال كان محور النقاش والجدل بين رئيس الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) تامير باردو ومجموعة من السفراء الإسرائيليين -حسب صحيفة هاآرتس التي نقلت وقائع مؤتمر السفراء – . باردو اعتبر أن إيران النووية قد لا تشكل «تهديدا وجوديا» للدولة العبرية، حيث يستخدم مصطلح «التهديد الوجودي» بشكل مبالغ فيه. وهو ما يتناقض مع تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو التي أطلقها قبل شهرين في جلسة افتتاح الدورة الشتوية للكنيست (البرلمان). وقال «إن إيران نووية ستشكل خطرا كبيرا على الشرق الأوسط والعالم كله». أما الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز فقد قال في مؤتمر السفراء نفسه «لدى إسرائيل ردود على المشكلة الإيرانية، لكن حلها هو مسؤولية العالم أجمع، ولن تكون حكرا على إسرائيل». بيريز أشار أيضا إلى أن العقيدة التي يطلق عليها «الغموض المقصود» لإسرائيل في المجال النووي تشكل وسيلة ردع «فاعلة» ضد طهران. وهي تمثل «جوهر» الأمن القومي لإسرائيل، التي لم توقع على معاهدة عدم الانتشار النووي، في عدم تأكيد أو نفي امتلاكها ترسانة نووية. ما لم يذكره باردو أو نتانياهو أو بيريز في مؤتمر السفراء ويعلمه جيدا السياسي السعودي المخضرم الأمير تركي الفيصل، أن ما يبدو على السطح شيء وما تضطرب به الأعماق شيء آخر. فإسرائيل سبق وقدمت المعونة إلى إيران في فترة حكم الشاه خاصة في تنفيذ برنامجها الصاروخي النووي كما زودت إيران إسرائيل بكل احتياجاتها من النفط. أضف إلى ذلك أن علاقات إيران مع الولاياتالمتحدة لم تنقطع البتة منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وحتي اليوم، فقد كشف تريتا بارسي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز في كتابه المهم: (التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية) عام 2007 عن طبيعة هذه العلاقات الإيرانية الإسرائيلية خلال الخمسين سنة الماضية وتأثيرها علي السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. وأثبت بارسي بالوثائق أن العلاقة بين المثلث الإسرائيلي – الإيراني – الأمريكي تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي «الجيو – إستراتيجي» وليس على الأيديولوجيا أو الشعارات الحماسية أو قل إن هذه الشعارات العدائية «الملتهبة والملهبة» لدغدغة مشاعر الغوغاء في الداخل فقط. على عكس ما تزعم كل منهما فإن الصراع بين إسرائيل وإيران ليس أيديولوجيا «دينيا» وإنما هو نزاع إستراتيجي قابل للحل والتفاوض لأن القوي النووية في عالم اليوم ومنها إيران وإسرائيل لا تتصارع وإنما تتفاوض وتبرم الاتفاقيات إذا لزم الأمر خاصة إذا كانت تمتلك أوراقاً قوية للعب والضغط ومجالاً إستراتيجيا قابلا للتمدد والمساومة والأخذ والرد. كلام بارسي في مجمله يدحض نظرية هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية الأشهر في مرحلة الحرب الباردة الذي أعلن في العام 1979 أن الصراع في المستقبل سيكون بين الهويات والأديان خاصة بعد نجاح ثورة الإمام الخوميني في إيران وتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل بموجب معاهدة «كامب ديفيد». لكن أهمية كلام كيسنجر وجدته تقبع في الضفة الأخرى من النهر لأنه ربط بين حدثين مهمين إقليميا وعالميا لم يبدُ وقتئذ أن بينهما كل هذه الملفات المتشابكة المعقدة التي ستتحكم في مصير الشرق الأوسط ومستقبله ربما لعقود مقبلة. إن كلا من إيران وإسرائيل تميلان إلى تقديم نفسيهما إلى العالم باعتبارهما: متفوقتين ومختلفتين في نفس الوقت من الناحية السياسية والثقافية عن العرب، ناهيك عن أن الوضع الجيو سياسي الذي تعيشه كل منهما ضمن المحيط العربي والإقليمي يجعلهما يلتقيان حول نظرية: «اللا حرب – اللا سلام» وهو المطلوب تثبيته والمحافظة عليه من وجهة نظر الدول الكبري. ورغم أن إيران قدمت المساعدة للقوات الأمريكية في حرب العراق عام 2003 في إطار صفقة متكاملة تعود بموجبها العلاقات الطبيعية بينهما، فإن تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل «هو العائق الأكبر في اتمام هذه الصفقة لأنه يضرب مصالح إيران الإستراتيجية في العمق ويسلخ الأطراف العربية عنها خاصة سوريا وحزب الله وحماس مما يؤدي إلى عزلها إستراتيجيا وتحجيم دورها. هل تأكدت عزيزي القارئ من أن «النووي السعودي: ضربة معلم في وقتها»؟