الحدث الأبرز في وسائل الإعلام الأمريكية، فيما يخص الأمن في الشرق الأوسط طوال الأيام الماضية، كان أعمال ومداخلات وأوراق مؤتمر «الخليج والعالم»، الذي انعقد في الرياض في الفترة من (-3 5) ديسمبر الجاري. حيث احتل تصريح الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، الأمير تركي الفيصل، موقع الصدارة، لاسيما عبارته «إنه في حال فشلت جهودنا وجهود العالم في إقناع إسرائيل بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، وكذلك بالنسبة لتسلح إيران بالأسلحة نفسها (...)، فلابد لنا، بل من واجبنا تجاه أوطاننا وشعوبنا، أن ننظر في جميع الخيارات المتاحة، ومن ضمنها حيازتنا لتلك الأسلحة». اللافت للنظر أن وسائل الإعلام الغربية ركّزت على فكرة مهمة في تصريح الأمير الفيصل، وهي أن المملكة لأول مرة لم تعرب عن مخاوفها من البرنامج النووي الإسرائيلي أو الإيراني، وإنما تجاوزت هذه المخاوف إلى التلويح الجدي بإمكانية «حيازة» أسلحة الدمار الشامل، ما يعني أن السباق النووي في الشرق الأوسط قد يدخل مرحلة حرجة يصعب تداركها. الخطر الذي تشكله إيران على منطقة الشرق الأوسط بامتلاكها السلاح النووي، وهو قائم وحقيقي، قد لا يكون باستخدامها ذلك السلاح ضد إسرائيل أو غيرها من دول الجوار العربي، وإنما هو في توظيفها امتلاك هذا السلاح لغرض الهيمنة الإقليمية، وما سيسفر عنه السماح لها بامتلاكه من سباق على التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط ككل، وليس من جانب المملكة فقط. أما الخطر الذي تشكله إسرائيل فهو لا ينحصر في امتلاكها السلاح النووي المحظور، وسط صمت مريب من المجتمع الدولي، وإنما في تهربها الدائم من تحقيق السلام مع الفلسطينيين، والانفلات المستمر من استحقاقاته، وهذان الخطران معاً، إيران وإسرائيل، يشكلان امتحاناً صعباً أمام الرئيس أوباما في الشهور القليلة القادمة، وليس البرنامج النووي الإيراني فقط. مجلة «السياسة الخارجية» الأمريكية نشرت مقالاً مهماً بعنوان ( إيران ليست تهديداً وجودياً)، ذيّل بعنوان فرعي كاشف وبليغ، هو (نجاح دبلوماسية أوباما مع الجمهورية الإسلامية، يتوقف على صمت إسرائيل عن إطلاق الصرخات و»الشعارات الجوفاء»)! المؤلفان فلينت ليفريت وهيلاري مان ليفريت لديهما الخبرة الكافية، عشرون عاماً في قضايا الشرق الأوسط، خاصة إيران، فضلاً عن أنهما استشاريان في المخاطر الدولية، ويعملان لحساب وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي. في رأيهما أن الولاياتالمتحدة تسير في الطريق الخاطئ؛ لأن فرض العقوبات على إيران لن يثنيها عن استكمال بنيتها التحتية النووية، أما الحل العسكري بدعم إسرائيلي فهو كارثي، ومحفوف بمخاطر غير محسوبة أو محتملة. المؤلفان يذكّران أوباما بحديثه في الرابع من يونيو في جامعة القاهرة عام 2009، وتحديداً (جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل). ورغم أن هذه الفكرة ليست جديدة؛ إذ طالبت بها مصر والمملكة العربية السعودية مراراً وتكراراً، فإن العقبة الكأداء في سبيل تنفيذها هي «إسرائيل النووية»، والإصرار الأمريكي على تفوق إسرائيل العسكري والنوعي في المنطقة. المؤلفان ينصحان أوباما بأن تمتثل إسرائيل، ولو مرة، لرغبة الولاياتالمتحدة والعالم بجعل المنطقة خالية بالفعل، وذلك بالانضمام إلى المعاهدة الدولية، وهو موقف يستحق التفكير بجدية من قبل الخارجية الأمريكية والنخب السياسية. حتى الآن لم تثبت إسرائيل للولايات المتحدة أنها جديرة بالثقة في عملية السلام في الشرق الأوسط على المسارات كافة (الفلسطيني والسوري واللبناني)، وحتى المرة الوحيدة التي أثبتت ذلك، كان السبق فيها للحكمة المصرية، التي استطاعت من خلال اتفاقية «كامب ديفيد» عام 1978 أن تبدد كل مزاعم ودعاوى إسرائيل عن المنطقة، خاصة الجيوش العربية التي ستتوحد من أجل «إلقاء إسرائيل في البحر». الصرخات المدوية التي تطلقها إسرائيل بصفة دورية حيال خطورة إيران النووية، لا تصمد -من وجهة نظر المؤلفينِ- أمام المنطق السليم، والغرض منها هو تكريس الحفاظ على هيمنة إسرائيل العسكرية وتفوقها النوعي في المنطقة. صحيح أن الولاياتالمتحدة -في رأيهما- لديها التزام ثابت لبقاء إسرائيل والحفاظ على أمنها، ولكن لا ينبغي أن نخلط بين هذا الالتزام وبين هيمنة إسرائيل العسكرية على المنطقة إلى الأبد، التي أصبحت ضد حركة التاريخ. فقد حان الوقت بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها الدوليين للحصول على تعهدات جادة من إسرائيل بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وإيجاد بيئة أكثر أمناً لجميع دول المنطقة، وعندئذ فقط ستمتثل إيران لمطالب المجتمع الدولي، وإلا ستجد نفسها في مواجهته.