لا أخفي تفاؤلي حينما صدر الأمر الملكي بإنشاء هيئة عامة تحت مسمى «هيئة الإذاعة والتليفزيون»، فقد كان الباعث لهذا التفاؤل هو أنني أيقنت أننا نسير في الطريق الصحيح الذي معه تنتهي حاجة الدولة والمجتمع إلى «وزارة الإعلام» والإبقاء فقط على وزارة الثقافة، كما عزز من تفاؤلي -هذا الأسبوع- خبر آخر يفيد «بتعيين متحدث رسمي باسم هيئة الإذاعة والتليفزيون» الأمر الذي يجعلني أعتقد أن هذه الخطوة هي أيضاً ذات دلالة إيجابية، وفي الطريق الصحيح لتقليص صلاحيات الوزارة وبالتالي إلغاؤها. فمعلوم أن وزارة الإعلام يناط بها تقديم وجهة نظر الحكومة والمعلومات الرسمية، بالإضافة إلى الإشراف على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في البلد. فكان فضلاً عن صلاحيات الوزارة الرئيسة كالإشراف على التليفزيون والبث الإذاعي، هناك صلاحيات تراكمت في يد الوزارة حان الوقت لأن تعاد هيكلتها، فأصبحت الوزارة مع إلغاء المجلس الأعلى للإعلام هي من يضع سياسة الدولة الإعلامية، وهي المفسر والمشرف على نظام المطبوعات والنشر ولائحة النشر الإلكتروني، بالإضافة إلى الفصل في القضايا الإعلامية. فمع هذا الكم الهائل من الأعمال المنوطة بوزارة الإعلام أضحت الوزارة من أكثر الأجهزة بيروقراطية وتضخماً في الحكومة. فبما أن التليفزيون والإذاعة قد استقلا في هيئة عامة وكذلك وكالة الأنباء الرسمية، فمن الضروري أن تلغى وزارة الإعلام ويعاد المجلس الأعلى للإعلام – تماماً كالمجلس الأعلى للاتصال في فرنسا الذي يضع السياسة الإعلامية للبلاد- ليناط به وضع السياسة الإعلامية العامة للدولة بشكل عام بما فيها «نظام المطبوعات والنشر» – الذي يحتاج إلى تعديل بما يكفل استقلالية الصحف واحتكامها في قضايا النشر إلى السلطة القضائية بناء على مواد النظام التي يضعها المجلس الأعلى- بالإضافة إلى قانون البث المرئي والإذاعي. ويسند تفسيره والاحتكام إلى مواده كما ذكرت إلى السلطة القضائية دون تدخل من السلطة التنفيذية. كما أن الفصل في القضايا الإعلامية يعد عملاً قضائياً صرفاً من شأن السلطة القضائية التي هي الأخرى تحتاج إلى إنشاء دوائر قضائية متخصصة في قضايا القذف والتشهير وبقية القضايا الإعلامية، فمن غير الطبيعي أن يتم الفصل في القضايا الإعلامية تحت مظلة وزارة الإعلام التي هي جزء من السلطة التنفيذية. وفي حال الاستغناء عن هذه الوزارة يتعين على الحكومة استحداث وظيفة «متحدث باسم الحكومة» ليعرض وجهة نظر الحكومة ويقدم المعلومات والآراء حول مختلف القضايا والمستجدات، وهذه الخطوة بلا شك ستجعل الحكومة أكثر رشاقة وتفاعلاً وشفافية مع المستجدات مما هي عليه مع وزارة الإعلام المثقلة بالبيروقراطية، فالتصريح بوجهة نظر الحكومة إما يصدر عن وزير الإعلام الذي لا يظهر إلا في القضايا الهامة أو يصدر عن «مصدر مسؤول» في أحد الأجهزة الحكومية، الذي غالباً لا تدرك وسائل الإعلام الأخرى والمجتمع طبيعته الاعتبارية، الأمر الذي يجعل تصريحاته يصاحبها الغموض والتكهنات والشائعات.