يعتز كل شعب أو عرق بلغته فهي هويته التي تميزه، ويرتبط بعلومها وآدابها وفنونها المختلفة، ويدافع عنها بتمسكه بها واستخدامه لها في كل شؤونه، وهناك أمثلة كثيرة لبعض الشعوب التي لا تتحدث إلا بلغتها بل وتتعصب لها تعصباً شديداً، ومن يتخلى عن لغته فهو يعاني ضعفاً وهزيمة داخلية، حيث ينقاد لغيره ويتبعه ويقلده- كما قال ابن خلدون في مقدمته- وهو أمر نعيشه اليوم- مع كل أسف- وقد حذر منه كثيرون في القرن الماضي، وما قصيدة حافظ إبراهيم في رثاء اللغة العربية إلا واحد من تلك التحذيرات. لغتنا العربية لغة راقية جميلة، وهي أثرى لغات العالم وأدقها، وقد شرفها الله بأن جعلها لغة كتابه الكريم الذي تكفل بحفظه في قوله تعالى: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» – وهو حفظ يشتمل على حفظ اللغة- وهي لغة السنة المطهرة، ومعجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي وهبه ربه مجامع الكلم، ولغة أهل الجنة، والوعاء الحافظ لتراث العرب والمسلمين عبر القرون، وإتقانها يحقق الإبداع الفكري في كل المجالات. لقد انشغل العالم بوصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر -ربما لأن مصر هي أم الدنيا كما يقولون- فهناك من يربط بينهم وبين الأحزاب في تركيا وتونس وغيرها، وهناك من يحذر من خطرهم -في الداخل والخارج- وهناك من يؤيد ويدافع، ومن يشكك ويعارض ويؤكد أنهم يسعون لأخونة الدولة المصرية -ولأن الحديث ذو شجون- فقد جاء في إحدى الوصايا العشر لحسن البنا – مؤسس الجماعة: «اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام». كانت الأبجدية التركية العثمانية عربية الحرف حتى عام 1928 حيث قام كمال أتاتورك بتغيير أبجديتها إلى اللاتينية، فقد كان مبهوراً بالغرب، ومقلداً لهم حتى في ملبسه، فانفصلت الأمة التركية -خلال عقود- عن تراثها انفصالاً تاماً، فلم تعد قادرة على الوصول إليه باستثناء المتخصصين -وهم قلة- كما يذكر الدكتور محمود الدُّغيم في أحاديثه وكتاباته. لقد حاولت الحكومات التركية المتعاقبة -دون يأس- أن تحصل على عضوية السوق الأوروبية المشتركة، وبذلت كثيراً من الجهود الشاقة، وأعطت التنازلات الكبيرة، ولم يتحقق لها هدفها، وهو أمر شغلها عن الالتفات إلى العرب خلال كل تلك العقود -رغم ما يربطها بهم من دين وتاريخ مشترك- وربما اقتنعت الحكومة التركية الحالية بزعامة حزب العدالة والتنمية -الحاكم منذ عشر سنوات- وحاولت التقارب مع العرب والمسلمين والاهتمام بالمشكلات العربية والإسلامية، وكانت وماتزال تحاول جادة بأن يكون لها دور في المنطقة العربية بشكل خاص، وهو أمر يرتبط بمبادئ الحزب الذي يقوده أردوغان الذي يواجه اتهامات من الداخل والخارج بأنه يسعى لعثمنة الدولة التركية. يقول فهمي هويدي أنه سأل أردوغان عن العثمانية الجديدة فى حوار أجراه معه فكان رده: «إن المصطلح مغلوط ولا يحبذ استخدامه، وهو تعبير يبستر الماضي، وينتقص من قدره، كما أنه يستدعي إلى الذاكرة مرحلة اندثرت، ولا سبيل إلى إحيائها، وإن جاز التعلم من دروسها والاستفادة منها». ينسب للدكتور علي بولاج -الكاتب في جريدة الزمان التركية- قوله: «مضت عصور طويلة علينا فى تركيا ونحن فى عزلة عن بقية الدول العربية، واليوم بتنا ندرك جيداً مدى أهمية توثيق العلاقات مع دول الشرق الأوسط بوجه عام، ومع مصر تحديدا»، وأنه بدأ حديثه بمثل تركي: «لا تندم على ما فات، ولا تبكِ على ما فات.. فهذا يوم جديد». وافقت الحكومة التركية على المقترح الذي قدمته وزارة التعليم بإضافة مادة اللغة العربية ضمن مناهج الدراسة، وقررت البدء بذلك بعد استكمال التجهيزات اللازمة، ويؤكد كثير من المتابعين أن اللغة العربية في تركيا تشهد انتشاراً غير مسبوق في عهد الجمهورية، حيث يرى حسين يازجي رئيس قسم اللغة العربية في جامعة إسطنبول، أن ذلك يعود إلى تحسن العلاقات الثنائية والتجارية والسياسية بين تركيا والدول العربية، وقوله -في نظري- أدق من تبرير قناة «بي بي سي» التي عزته إلى الروابط الدينية والسياسية والتجارية والتاريخ الطويل بالعالم العربي والإسلامي، وتقول الدكتورة هدى رشوان :«من يزُر تركيا يدرك تقديس الأتراك الذين يدين غالبيتهم بالإسلام للغة العربية..». وقفة: مايزال مشروع السعودة «توطين الوظائف» يسير ببطء شديد، ومن الأمور التي ساهمت في تعثره وفشله إصرار الشركات الوطنية الكبرى على استخدام اللغة الانجليزية في جميع أعمالها !