الجملة الأخيرة في حكاية أفورقي التي يفتحها تمرُّدٌ عسكريٌّ ليست جملة بين قوسين.. وأسماء مثل عبدالله جابر.. وصالح عثمان.. أسماء لا يعرفها أحد هنا، لكنَّ الإريتريِّينَ يعرفونها، والأسماء هذه التي تقودُ انقلاب 21 يناير كانت خطورتها هي ما يجعل أفورقي يقتل وزيرَ دفاعِه بمسدَّسِه.. وجابر عبدالله الذي يقود الانقلاب هو الرجل الثالث في الحزب الحاكم، بينما عثمان يصبح بطلاً شعبيًّا حين يرفض تسليم ميناء عصب لإثيوبيا في الحرب الأخيرة، ويتمكَّنُ من تحطيم ثلاث كتائب هناك.. وإثيوبيا لو أنَّهَا تمكنت من عصب (الميناء البحري الوحيد) لأصبحت الدولة الأعظم في المنطقة. والحسابات الثانية وليست الأولى في كل خطوة هي ما يديرُ كل شيء الآن.. والحسابات الثانية كانت هي ما يجعل وزير الدفاع – أحد قادة الانقلاب – يتسلَّلُ لينذرَ أفورقي حينَ يجد أنه – وهو المسيحيُّ – لا نصيبَ له في الرئاسة إن نجح الانقلاب. وأفورقي الذي يطلق النار علي وزير دفاعه عند استقباله تقودُه الحسابات الثانية إلى تقديم عرض للمتمرِّدِين وقبول بعض شروطهم. والحسابات الثانية وليست الأولى كانت هي ما يجعل المتمرِّدينَ يجدون أنَّ سقوط الحزب الحاكم بقيادة أفورقي يكشف كثيرين منهم لمحاكمات لها نهايات معروفة.. والتمرد يتراجع من انقلاب إلى تصحيح. والحسابات الثانية لعلَّهَا هي التي جعلت العميد (إمانويل صخمة) المسيحي الذي يقود مجموعة اعتقال أفورقي يتأخر عن موعده، وأفورقي يفلت! ومهما كان جدول الضرب والقسمة في إريتريا؛ فإنَّ الأمر ينتهي عند الجيش، وهو ينتهي خلف أسوار (فورتو) مبنى قيادة الجيش ضد أفورقي، وينتهي بالأمن وهو يقف خلف قصر أفورقي في أسمرا، وإدارات الخدمة المدنية والقيادات الاجتماعية التي تنظر من النوافذ وتجعل موقف الحياد ملجأً لها تُفاجَأ بحملة هائلة يطلقها أفورقي ضد كل الرؤوس في الخدمة المدنيه والمجتمع! ونائب مدير جهاز الأمن عبدالرحمن جاسر حين يرفض القرارات هذه يُعدَم بطريقة تجعل إعدامَه هذا إنذاراً للآخرين، وإعلاناً لأسلوب لا يقبل إلا الأذن المفتوحة، وليس الفم المفتوح! وعبدالله جابر ومصطفى حسين، حاكم الإقليم الجنوبي ومدير شرطة الإقليم الجنوبي هذا، ومدير شرطة (عين سبأ).. تنطق (عنسبا) وصفٌّ طويل تحت الاعتقال ينتظرون الآن المحاكمة.. والإعدام! لكن الحسابات الثانية تطل لتمنع الإعدام المحتوم؛ فالرئيس أفورقي يجد الآن أنَّ القادة عُمر طويل، وأحمد كاكاي، وفيلبوس يوهانس، ونجدات سلامة.. والشباب من الجيش كلهم يحذِّرُ من إعدام المعتقلين! والرسائل التي تذهب إلى الرئيس أفورقي تُعرَض عليه.. حياة هؤلاء مقابل حياته! وبوابة التراجع تصرصر الآن، وهنالك الآن لجنة مصالحة بقيادة رمضان محمد نور (قائد التنظيم قبل أفورقي) تدخل القصر الآن وتخرج لتدخل إلى فورتو. وشيء يحدث في إريتريا، لكن حسابات الخطوة الثانية تقول: إنَّ إريتريا مختلفةً، سوف تطلُّ غداً! مختلفة قليلاً.. وليس تماماً، فإريتريا تنقل من يمين الحزب الحاكم إلى يساره، وما يطل من النوافذ ويحسب هما إثيوبيا والسودان.