جدة – فوزية الشهري متظلّمات يتذمرن من تعليق القضايا.. وشهود يتململون من الحضور.. وأزواج يعتذرون لأتفه الأسباب غياب النظام الواضح في قضايا الأحوال الشخصية زاد من تعقيدها وفتح مجال الاجتهاد وتفاوت الأحكام تجولت «الشرق» عبر أروقة المحكمة العامة في جدة، لتلامس معاناة الأشخاص الذين عُلّقت جلساتهم سنوات طويلة، منهم سيدات يطالبن بالطلاق، أو النفقة، وأخريات يطالبن بحقهن في حضانة أولادهن، فيما لم يجد بعضهن أمام هذه الفترات الطويلة من تعلّق قضاياهن غير بث شكواهن والتنفيس عن همومهن على جدران المحكمة في ساعات انتظارهن. دعويان منفصلتان والتقت «الشرق» خلال جولتها عددا من السيدات اللاتي يتظلمن في المحكمة، حيث بينت خلود أنها تقدمت إلى المحكمة لطلب الطلاق من زوجها الذي تتهمه بضربها وأبنائها، وطردهم خارج المنزل في ساعات متأخرة من الليل، مشيرة إلى أنها عندما تقدمت بقضيتها للمحكمة، طلبت في الوقت نفسه من القاضي إلزام زوجها بتوفير بيت ونفقة لها ولأبنائها، غير أن المحكمة أجبرتها على رفع دعويين، حيث إن كل دعوى تختص بقاض ينظر فيها، لافتة إلى أن زوجها في كل مرة من تحديد موعد للجلسة، يحضر إلى المحكمة لتقديم أعذار لا مبرر لها، ويطلب تأخيرها، حيث يتم تحديد موعد آخر للجلسة بناء على تلك الأعذار المتكررة، مشيرة إلى أن بين الجلسة والأخرى أربعة أشهر، وأضافت: «قاربت دعواي الآن على إكمال أربع سنوات دون أن أحصل على حقي وحق أبنائي في النفقة على أقل تقدير». أربع سنوات من المماطلة وقالت فاطمة، إن من واجب القضاة أن ينصروا المظلوم على الظالم، لا العكس، مشيرة إلى أن لها ما يقارب أربع سنوات لم ترَ فيها أبناءها، بينما تلقى اعتذارات طليقها ومماطلته في حضور الجلسات بأتفه الأسباب استجابةً لدى القاضي، حسب قولها، وأضافت: «حتى الآن لم يصدر حكم في قضيتي، ويكتفي القاضي في كل جلسة بالنظر وتقليب الأوراق التي تقدّم من قبل المدعي والمدعى عليه». تململ الشهود وأكدت هناء سلطان، أن زوجها توفي وهي حامل، مشيرة إلى أنها لجأت إلى المحكمة بعد أن أنجبت ابنها الرابع، لتطلب صكا يفيد بحقها في حضانة أبنائها، مضيفة أن القاضي أصدر لها بذلك صكين، حيث وضع ثلاثة من أبنائها في صك، ومولودها الجديد في صك مستقل، وعندما طلبت منه ضم الجميع في صك واحد تطلّب ذلك منها مراجعات امتدت نحو عامين، كانت خلالها تضطر إلى إحضار شهود في كل زيارة للمحكمة، مؤكدة أن الشهود باتوا يتململون من كثرة تأخير المحكمة ويعتذرون عن مرافقتها. عقبات تشريعية عدنان العمري من جهته، أوضح المحامي والمستشار القانوني عدنان سليمان العمري، أن هناك عدة عقبات في قضايا الأحوال الشخصية المرفوعة في المحاكم، مشيرا إلى أن من أبرزها وجود خلافات فقهية حول مرجعيتها الشرعية، وأن عدم وجود نظام واضح لقضايا الأحوال الشخصية زاد من تعقيد تلك القضايا، وفتح مجالاً كبيراً للاجتهادات الفردية وتفاوت الأحكام الصادرة من القضاة، كما أدى إلى جهل كثير حقوقهم على وجه الدقة. وضرب المحامي العمري، مثالا على ذلك وهو عدم وجود آلية واضحة لاحتساب النفقة اللازمة على الزوج أو الأب، بحيث يؤخذ مستوى دخل الزوج وثروته بعين الاعتبار في النظر في مثل تلك القضايا، مضيفا: «ربما يكون الزوج مليونيراً ولديه أموال طائلة ورثها أو اكتسبها من تجارة ما، لكنه يحضر ورقة تعريف براتب لا يتجاوز خمسة آلاف ريال». قضايا تنتهي بنفسها وأضاف العمري، أن من العقبات غياب التنظيم في قضايا الفسخ والخلع والطلاق، خصوصاً ما يعرف بالطلاق البدعي في قضايا إثبات الطلاق، كما لا يوجد تنظيم في قضايا إثبات الرشد والولاية، وقال: «بشكل عام، توجد حاجة ملحة لوضع نظام واضح، ينظّم قضايا الأحوال الشخصية، كي يعرف كل شخص الحد الأدنى ممّا له وممّا عليه». وأوضح العمري، أن من أهم العقبات، إطالة النظر في القضايا، فقضية طلب والدة رؤية أطفالها تظل أكثر من ثلاث سنوات، وهناك قضايا حضانة كثيرة لا تنتهي إلا بعد بلوغ الأولاد الذكور، فتنتهي من تلقاء نفسها، وقضايا الفسخ خصوصاً على المرأة، حيث نجد قضايا فسخ نكاح تصل إلى أربع أو خمس سنوات، خصوصاً مع مماطلة الخصم، فعمر المرأة، الثمين لها، يضيع في المحاكم، في حين أن الرجل يتزوج وينجب ولا تؤثر القضية عليه بشيء، ومثل ذلك العضل، حيث يضيع الخاطب بانتظار صدور الأحكام، مشيرا في الوقت نفسه إلى ما يلحق المرأة وأولادها من ضرر بتعطل مصالحهم ودراستهم في حال رفض الزوج إعطاءهم صورة من بطاقة العائلة، وعدم تجاوب القضاة السريع مع مطالبة المرأة بصورة من بطاقة العائلة، أو بسرعة إضافة الأبناء إلى بطاقة العائلة. آلية تبليغ الخصوم ونوّه العمري، إلى أن من أسباب تعطيل القضايا آلية تبليغ الخصوم، خصوصاً عند عدم وجود عنوان واضح أو عمل معروف لهم، وصعوبة إثبات الضرر في قضايا الفسخ والحضانة، وعدم وجود آلية تحكم ذلك الضرر، وغياب القضاة وتأخرهم، وعدم الحسم السريع في الموضوع من قِبل القضاة، والمشقة التي تواجه المرأة تحديدا في مراجعة المحاكم، حيث تحتاج إلى محرم ومعرفين، مع تعدد وكثرة الجلسات، وغياب نظام يحمي المدّعين، خصوصاً في قضايا الخلع والعضل للنساء. تأخر التنفيذ وأضاف المحامي العمري، أن التأخر في تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم، يعد إضافة إلى المعوقات والعقبات التي تطيل من أمد القضايا، وقال: «عندما يصدر الحكم في القضية بعد جهد جهيد، هناك عقبة أخرى تواجهها وهي البطء الشديد في التنفيذ، خصوصاً في قضايا النفقة والرؤية والحضانة»، لافتا إلى قلة وعي بعض الجهات التنفيذية، حيث يتم أحيانا إيقاف أحكام عاجلة التنفيذ لوجود اعتراض بالاستئناف، على الرغم من أن النظام لا يوقف تنفيذ تلك الأحكام للاستئناف وفقا للمادة (198) من نظام المرافعات الشرعية، وأضاف: «بل إن بعضهم يوقف التنفيذ لوجود التماس بإعادة النظر في القضية، بالرغم من أن هذا مخالف للمادة (4/192) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية. معاقبة المتهرّب كما لفت العمري، إلى غياب نظام يعاقب المحتال أو المتهرّب من تنفيذ الأحكام القضائية في قضايا الأحوال الشخصية، مشيرا إلى أن بعضهم يلجأ في قضايا رؤية الأبناء إلى إضاعة وقت الزيارة المحدد، الذي لا يتجاوز بعض الأحيان يومين فقط لصالح الأم، لافتا في الوقت نفسه إلى مشكلة إرجاع القضية إلى مصدر الحكم كثيراً لمجرد أدنى اعتراض من الخصم، رغم أن الحكم واجب التنفيذ، والمشكلة، حسب قوله، في أن ذهاب الملف وعودته يستغرق وقتاً طويلاً تضيع فيه الحقوق، مع ما فيه من المشقة الشديدة للمرأة في المراجعة، خصوصاً مع تهرب الخصم ومماطلته. أنظمة واضحة وأكد المحامي العمري، أن هناك جهودا واضحة تبذلها وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، كما أن هناك تغييرات إيجابية ملموسة، منها زيادة عدد القضاة، وساعات الدوام لبعض المحاكم، وإمكانية مراجعة المعاملة عن طريق الإنترنت والهاتف، وخصم النفقة من الراتب، وأضاف: «نرجو أن يكون نظام التنفيذ الجديد مساعداً لإزالة كثير من العقبات، لكننا نرى أن هناك حاجة لبعض الأمور الأخرى، مثل وجود نظام واضح وصريح للأحوال الشخصية، والتعجيل بإنشاء محاكم الأحوال الشخصية، وتقصير المواعيد وسرعة البت في القضايا، والرقابة ومحاسبة المقصرين سواء من القضاة أو من الجهات التنفيذية، والتوعية بالأنظمة، خصوصاً لمسؤولي التنفيذ، ومعاقبة المتهرب والمماطل، خصوصاً في قضايا الأحوال الشخصية، سواء أكان من خلال تهربه عن حضور الجلسات أو في التنفيذ، وتسهيل المراجعات عن طريق وسائل الاتصال، خصوصاً على المرأة، ومعاقبة ولي الأمر الذي يحرم أبناءه وزوجته من الحصول على هوياتهم. إبراهيم القني المحكمة لا تتجاوب.. ومتحدث الوزارة لا يرد إبراهيم الطيار بدورها، حاولت «الشرق» الحصول على تصريحات وإجابات من قِبل رئيس المحكمة العامة في جدة الشيخ إبراهيم بن صالح القني، حول مشكلات تعليق وتأخير القضايا، خصوصا ما يتعلق بالسيدات في جانب قضايا الأحوال الشخصية وآلية المحكمة في التعامل معها، إلا أنه رفض استقبال المحررة أو التجاوب معها، طالبا منها التواصل مع مدير إدارة الإعلام والنشر المتحدث الرسمي في وزارة العدل إبراهيم الطيار، الذي حاولنا التواصل معه على مدى ثلاثة أشهر تم خلالها إرسال الصور والاستفسارات إليه، ولكنه لم يرد إلى «الصحيفة» أي تجاوب من قبله حتى ساعة إعداد التقرير للنشر. سيدة تكتب همومها على جدار المحكمة ..وأخرى لها ثلاث سنوات كرهت فيها الزواج معاناة بعض الأشخاص الشكوى تتعدى القسم النسائي إلى المصاعد المحكمة العامة في جدة (تصوير: سعود المولد)