ملأتَ حياتي، وأصبح لعمري بك معنى. سعدتُ بكرِّ الزمن وانفراط الأيام من مسبحة عمري. فكلُّ يومٍ ينقص من عمري يُضاف إلى عمرك. كنت لا أملُّ من النظر إليك طفلاً صغيراً تصحو وتغفو بين ذراعيَّ. كنتُ أتأملُ ملامحَك الطفوليَّةَ تكبُر أمامي يوماً بعد يوم. كنتُ أحفظُ حركاتِك وأتوخَّى في عينيك الذكاء. وحين تلتفتَ إلى صوتي أشعرُ أنِّي ملكتُ الدنيا. كنتُ أتحسَّسُ قدميك الصغيرتين وأقبِّلُ كفَّيْكَ منتشيةً برائحة الطفولة البريئة. كنتُ بالأمس أتأمَّلُكَ في مهدِك الصغير، وكأنَّ العُمرَ صُوِّرَ بكاميرا سريعة، لقد كبرتَ يا ولدي وأرى أمامي اليوم رجلاً هو متعةُ الروح وقُرَّة العين، أنتظرُ يوميًّا موعد عودتك لتمرَّ عليَّ ولا أشعر بالوقت يمضي بصحبتِك. أضأتَ حياتي، ورأيتُ – وأبوك – فيك امتداداً لعمرِنا. ولكنَّ العمرَ يمضي، أصبحتْ لك حياتُك الخاصَّة، تشغلك أمور مستقبلك وعملك وكفاحك لتكونَ ماترضاه أنتَ لنفسك، وما رسمتَه لمستقبلك. تلفُّك أمور تشغلك فأتمناك تعود صغيراً أحميك في حضني من قسوة الحياة، أتمنى أن أهديَك نجاحاتي. وأن أجنِّبَكَ ما مرَّ عليَّ مِن آلام. أستعيد بذاكرتي ما كنتُ فيه من مشاغل وأبتسم لذكرى يوم مولدِك الجميل فأنتشي مجدَّداً؛ لأنِّي أمٌّ لك. كنت يابني لي الولد طرازاً آخر من الأطفال، وأصبحت السند، أصبحت رجلاً منوطاً بك أملٌ كبير، ومعقوداً عليك الرجاء. إن قستْ عليك الحياةُ يوماً فلا تيأس؛ فالسرُّ يتمثَّل فيك، فكن كما دعونا الله – عالمَ السِّرِّ والنَّجْوَى – أن تكونَ رجلاً أبيًّا بقيمته، وابناً حفيًّا. يا عزَّ أمومتي ومصداقَ أحلامي.