فتح إعلان الرئيس السوداني عمر البشير عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة الباب واسعاً أمام توقع مآلات الأوضاع في السودان وكيف سيكون مستقبله. واختلفت الآراء ما بين متفائلٍ لرحيل البشير باعتبار أنه سيكون بداية لتصحيح المسار السياسي للسودان ولإضعاف سيطرة حزبه، المؤتمر الوطني، على مقاليد الأمور فيه نظراً للكاريزما التي يتمتع بها وإمساكه بكافة ملفات إدارة الأزمات بجانب حب الجماهير السودانية له ولعفويته وتلقائيته. في المقابل، يرى المتشائمون أن أوضاعا كارثية ستحل بالبلاد وذلك لعدة اعتبارات أهمها اشتداد الصراع داخل الحزب الحاكم حول من سيخلف البشير بجانب ضعف متوقع سيصيبه حال تنحي الرئيس عن زعامته باعتبار أنه يمثل القاسم المشترك الذي يجمع عليه السودانيون إلى جانب تمرسه خلال الفترة الماضية في إدارة البلاد وسط ظروفٍ حالكة السواد ومؤامراتٍ تستهدف وحدة التراب السوداني وضرب النسيج الاجتماعي. من جهته، قال أمين الأمانة السياسية في حزب المؤتمر الشعبي والقيادي في تحالف المعارضة، الدكتور كمال عمر، إن «الأزمة السياسية في السودان مرتبطة بالنظام أكثر من ارتباطها بشخص معين رغم أن وجود البشير في السلطة يوحد المجموعة الحاكمة». وأضاف أن ذهاب البشير سيعني قطعا انهيار كامل للنظام لأنه بدأ يتآكل من الداخل خاصة بعد مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير وشائعة مرض الرئيس، وعد أن هذه الشائعة ألقت بظلالها على المنظومة الحاكمة في الخرطوم وأثرت في تماسك وقوة المجموعة المكونة للنظام «لأنه لا يعتمد في حكمه للسودان على فكرة وإنما على شلة من قيادات الحزب الحاكم، ويتجلى ذلك بوضوح في ملفات إدارة الأزمات، ويتضح أن البشير هو الذي يدير هذه الأزمة ويعمقها ولكنه في الوقت نفسه هو الرجل الذي يوحد المجموعة الموجودة في السلطة»، حسب قوله. وأشار عمر إلى أن المجموعة الحاكمة في السودان تعتقد اعتقادا جازما بأن «الديمقراطية هي العدو الحقيقي لهم وللبلاد، وأن الحريات عدو، وأن الحكم الراشد أيضا عدو، لأن النظام ديكتاتوري يعتمد على الاستبداد». ووصف «عمر» الرئيس ب «رمز الاستبداد»، وقال إنه يوحد كل المستبدين حوله، وتوقع انهيار النظام حال رحيله «لأن العسكريين الموجودين داخل المجموعة الحاكمة قطعا ضد المجموعة المدنية في الحزب الحاكم، وبالتالي فإن ذهاب البشير سيشعل الصراع داخل صفوف الحزب ما بين مجموعة المدنيين والعسكر حول من سيخلفه في كرسي الرئاسة». كما توقع «عمر» قتالا عنيفا وشرسا في مقبل الأيام بين هذه المجموعات وتفرق كلمة المجموعات المكونة للحزب الحاكم، وقال إن إنهيار النظام سيكون له أثر كبير على مستقبل الاستقرار في السودان فيما يتصل بالحرية والديمقراطية والحكم الراشد. وتابع «بالنسبة لنا في تحالف المعارضة، لابد من الاستعداد المبكر لفترة ما بعد البشير لكي نستقبل مرحلة انهيار النظام، إذا حدث ذلك بصورة فجائية دون أن تكون هناك جهة مستعدة لسد الفراغ ستكون الأوضاع كارثية، ونحن في المعارضة نعد أنفسنا لمرحلة ذهاب البشير عبر الثورة الشعبية او انهيار النظام من الداخل او الانقلاب». وأكمل «كل الاحتمالات في حساباتنا جيدا لكي نواجه فترة ما بعد البشير، واعتقد أن النظام القائم الآن انتهى ويلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو الآن يعيش فقط اعتمادا على آلية الأمن والاستبداد». في سياقٍ متصل، قال رئيس طائفة الأنصار في السودان، عبدالمحمود أبو، إن «كل ما هو سيئ هو مع وجود هذا النظام، ولا أتوقع سوءًا أكثر مما حدث، ولذلك أعتقد أنه طال الزمن أو قَصُر سيذهب هذا النظام، ويكون السودانيون وقتها تحصنوا من عوامل الخلاف والصراع». وقلل أبو، في تصريحات ل «الشرق»، من احتمالية انهيار الدولة السودانية حال رحيل البشير أو وقوع احتقانات واضطرابات في البلاد معوّلا على «تنامي وعي مكونات المجتمع السوداني». لكن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية، الدكتور عبده مختار، توقع اقناع الحزب الحاكم للرئيس بانتخابه لفترة رئاسية جديدة، وقال «هذا هو السيناريو الراجح والمتوقع لأنه الأنسب». وأضاف «حال افتراضنا إصرار الرئيس على موقفه وعدم ترشحه مجددا أو تنحيه عن السلطة، أعتقد أن السودان سيكون فقد شخصية محورية ومهمة مهما اختلف الناس حولها، لكنه الأنسب خلال هذه المرحلة لخبراته المتراكمة في الرئاسة. وتعامله بحنكة مع القضايا والازمات والعلاقات مع دول الجوار والدول الاخرى، وبالتالي ارى ان غيابه يسبب أزمة رئاسية في القيادة لانه يتمتع بكاريزما قل ان توجد في الشخصيات الاخرى داخل الحزب الحاكم او الاحزاب الاخرى». ورأى مختار أن الظروف المفصلية والحساسة التي تمر بها السودان ستؤدي إلى إعادة ترشح البشير، وتابع «لا اتوقع اي صراع حول من سيخلفه حال اصراره على موقفه، حيث سيتم ترشيح نائبه الاول على عثمان طه للرئاسة».