روى لي موسى بحزن عن والدته التي كانت مثلاً في النشاط، قال لقد سمنت جداً وتنام كثيراً، ودخلت العديد من العمليات لترقيع الشبكية! ما الخبر؟ قال السكري يا صديقي؟ قلت هو سرطان مزمن وعدو في بطن كل واحد منا، يجب حربه بسلاحين من النشاط وعدم الإسراف في الطعام ومراقبة الوزن. أوصى الصوفي جلال الدين الرومي تلاميذه: قلة الطعام، وإراحة اللسان من الآثام بقلة الكلام، ونظافة الضمير، والقيام والناس نيام. أخوف ما يخاف المرء من التقاعد لأنه يعني الخواء والشيخوخة والطفر والتوقف عن العمل والإنتاج وخسارة المنصب، فلا ينظر له الناس كما كان مؤثراً فاعلاً يطلبه الناس في قضية وأخرى. اجتمعت بصديق الفكر عندي محمد، وكان في منصب حساس، قلت له دخلت التقاعد ما تقول؟ قال أنا في جنة! قلت حسناً يجب نقل هذا الكلام للقراء! وكيف دخلت جنتك وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله. قال صديقي خالص الوظيفة، خاصة الحساسة منها إذا وقف الإنسان في ميزان العدل وعدم الهوى كسب العداوات، وأنا ارتحت منها. الأمر الثاني كنت عبداً مربوطاً بوقت ومكان وزمان وتوقيع ومراجعات! أليس كذلك! أنا الآن حر طليق، جواز سفري في جيبي، والمؤتمرات بانتظاري، والمقابلات لا تنتهي، لكن ليس من مراجعين ومزعجين وطالبين ولحوحين، بل أهل الفكر والقلم والرؤية والروية. قلت حسناً ثم ماذا عن هذه الجنة؟ قال أنا الآن أنام ملء أجفاني ما الوقت أكفاني، وسأبقى أروي جناني حتى ألف في أكفاني! قلت له كيف تقضي وقتك في النهار والليل؟ ضحك وقال العالم فسيح، لقد زرت نصف العالم وبقي نصفه الآخر. لذا يا عزيزي لا تدخل التقاعد وأنت في الشيخوخة بل الشباب! قلت، وهل من كان في الستين شاباً؟ قال نعم إنه الشباب المتأخر، مثل الخريف الجميل وأشجار القيقب في كندا! قلت له غريب وماذا عن هذا الشجر؟ قال ليس من حلة إلا لبستها ولا لون إلا وتدثرت به، قلت له عجيب ! قال الأعجب ليس من ورقة سقطت إلى الأرض إلا وتاقت نفسي إلى التقاطها والاحتفاظ بها جافة في كتبي الكثيرة في مكتبتي العامرة فتصبح دليل المكان الذي وصلت إليه في القراءة أو إشارة إلى فقرة جميلة وفكرة رائعة. قلت حسناً ذكرت مكتبتك لقد سمعت منك يوماً أن تاجر عقارات دخل عليك البيت فأشفق عليك وضحك، وقال لقد ضيعت عمرك وربما سقطت تحت ثقلها كما حصل للجاحظ في مكتبته؟ قلت له وما كان جوابك على هذا الأقرع؟ قال: قلت له ما قال نوح لقومه «إن تسخروا منا فإنّا نسْخَر منكم كما تسخرون». قلت فعلاً إن التقاعد جنة سوف أخبر قرائي، وأقلدك أنا شخصياً في رحلة إلى بلد شجر القيقب. المهم ليس الشجر بل راحة البال فما هي شروطها؟ نحن هنا في سؤال جديد!