حدثنا أبوالمهند يوماً، فقال في ليلة من الليالي وأنا في أحد المقاهي، وبينما أنا أحتسي بعضاً من (الشاهي)، أتاني أحد الأشخاص هرولةً، وكان يرقص في هسترة، فصاح بي مبشراً ومهللاً ومكبراً «اليوم انتهت المشكلة؛ اليوم أصبحنا في سعة، اليوم تنفسنا الصعداء وأصبحنا في عداد السعداء». فشككت في قدراته العقلية وفي حالته النفسية، وأخذت أنظر إليه بعين الحاذق لأستكشف ما به من مأزق، فربما جانّ قد تلبس به، أو كابوس قد ألم به، أو ربما انفصام في الشخصية، أو شيء آخر من البلية. فأخذت أستدرجه في الحديث ليطمئن ويستريح، ولكي يبوح بما في صدره المجروح، فأخذ نفساً عميقاً، ونظر نظرة في النجوم، وزفر زفرة المظلوم، وقال «اليوم أزاحوا من كان في الطريق. اليوم أزاحوا قائد الفريق. اليوم أزاحوا الكابوس ومنغص النفوس. اليوم أزاحوا الرئيس». فقلت لماذا هذا كله، فقال «لقد كان يرفل فينا ظلماً، ويسرق تعبنا زوراً، ويتخذ الناجح عدواً، والصادق خصماً. ولقد كان يلبسنا الأخطاء تلبيساً. ويتهمنا بما ليس فينا تلميحاً وتصريحاً. وكان المواطن عنده آلة، ولمن خلفه عبرة وآية. ولقد أنكر وجودنا، ولم يتفهّم مطالبنا. فلما أحس منّا عدم التجاوب والضيق الذي كنا فيه نكابد، قرّب منه الأجانب (المرتزقة)، فأصبحوا علينا كالعقارب؛ فهم لا يتورعون ولا ينتصحون، وبنا يسرحون ويمرحون، وللرئيس يطبّلون ويزمّرون». فقلت هوّن عليك وأخبرني عن أي البلاد أنت (تتحلطم)، وعن أي نظام أنت تتكلم. فأنت فيما يبدو لي تتكلم عن الأزمان الغابرة، مثل زمن الفراعنة، أو الأباطرة، أو القياصرة، أو ربما عن زمن لم تُكتب فيه القوانين والدساتير بعد، أو زمن لا يعرف حقوق المواطنين قط. فمن أي الأزمان أتيت، ومن أي حقبة أنت عانيت؛ فكلامك هذا غير موجود من أيام الجدود، فلم يرق له كلامي، ولم يستسغ مقالي، فقام وانتفض، وعنّي هرول وهرب، وأظن أن عقله قد ذهب. فقلت الحمد لله على ما وهب، والشكر له على تفريج الكرب، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وفضّلنا تفضيلاً؛ ففي بلادنا الحبيبة لا تجد هذه المصيبة، فالرؤساء عندنا قلوبهم مفتوحة وأبوابهم مشرعة، وبصيرتهم ثاقبة، فهم متمرسون في حل المشكلات، وفي تذليل الصعوبات، وتيسيير المعاملات. وهناك الكثير من المشروعات التنموية والخدمية في كثير من المدن والمجتمعات القروية. والكل يعلم أن مدناً صناعية أنشئت، وطرقاً سريعة عُبّدت، ومعامل لتصدير الطاقة شُيّدت. ولو تحدثنا عن تنمية الموارد البشرية لطال بنا المقام؛ لكثرة ما تقوم به الدولة من مهام، وعلى ما تحملته على عاتقها من أمور جسام. ولو أخذنا الشركات السعودية كمثال في هذا المجال، لوجدنا أنها تهتم بتطوير الكفاءات وتنمية القدرات. كيف لا وهناك إدارة للتدريب تؤهل الموظفين لكي يتولوا القيادة ويسعون للريادة. فسعودة الوظائف إلزامية إلا ما ندر، وسعودة المناصب حتمية كالقدر. فالرؤساء عندنا حريصون على تنمية الموارد البشرية وتأهيل الكوادر الوطنية. فنحن نعيش في نعمة، وغيرنا في نقمة.