جمع الدكتور عبدالعزيز محمد الدخيل في كتاب «التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية – قراءة نقدية»، نحو 74 مقالًا، نشرت في صحف محلية، فيما بعضها لم ينشر. وصدر الكتاب في طبعته الأولى في 2012م، عن دار الساقي في بيروت، ويقع في 926 صفحة من الحجم العادي. ويطرح الدخيل في كتابه رؤيته حول الاقتصاد السعودي وما يؤثر فيه محلياً ودولياً، وارتباطاته بالعالم الاقتصادي من نقد وبترول وتنمية محلية واستثمارات أجنبية، فضلا عن تنويعها، ويعبر عن ذلك في مقدمته، التي نص فيها على أن الكتاب جمع ما كتبه طوال أربعين عاماً، وضمنها «ما سمح بنشره وما لم يسمح بنشره»، مبررا جمعها في كتاب واحد ل«أجل التاريخ»، وأنها «علامات امتدت على مدى أربعين عاماً، تسجل في لحظة زمنية رؤيتي لمشهد اقتصادي في هذه المسيرة، هذه الرؤية قد تكون أو لا تكون هي الحقيقة، لكنها رؤية حقيقية لمشهد اقتصادي». اعتمد الكتاب في تسلسل المقالات على تاريخ النشر وليس على نوع الموضوع الذي يعالجه، مبررًا ذلك ب»من أجل فهم أعمق للحاضر»، وكان أول مقال في الكتاب نشر في عام 1971م، بعنوان «نظام النقد الدولي والأزمات المالية الدولية»، فيما كان آخر مقال عبارة عن «رؤية استراتيجية للمستقبل الاقتصادي والبترول للمملكة»، ونشر في عام 2011م. ويعبر الكاتب عن رؤيته الاقتصادية بشكل واضح، ولطبيعة الطرح في المقالات فإنها قريبة من ذهنية القارئ غير المتخصص. ولا يتردد في توضيح الأساس الذي تنبني عليه الرفاهية الفردية والاجتماعية، من خلال «الجانب الاقتصادي والسياسي»، حيث يرى أنهما «قطبان أساسيان في معادلة التنمية الشاملة لأي شعب وأمة»، موضحاً أكثر أن «الاقتصاد يبحث في تعظيم سعادة الإنسان المادية، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، والبشرية والتقنية»، شارحاً أن «علم السياسة يبحث في الإدارة الأمثل لعلاقة الإنسان بالحاكم وعلاقة الحاكم به»، ويتفق مع القول «إن الحرية الاقتصادية والسياسية أفضل الوسائل لتعظيم الأداء الاقتصادي والسياسي»، وأنهما «عمودان أساسيان في بناء المجتمع البشري اقتصادياً وسياسياً». تنوعت موضوعات المقالات بين الاقتصاد الدولي وأثره على المملكة والاقتصاد السعودي واستمرارية نموه من عدمها. وتبرز في الكتاب موضوعات نظام النقد الدولي، والمشكلة السكانية والبترول، وتنوع الدخل، والذهب، وتنويع مصادر الدخل، ومراحل الركود وأثرها على الاقتصاد السعودي. وسيقف القارئ ملياً أمام مقال «عوائد النفط المالية والثورة الاقتصادية الحقيقية – 1980»، على رغم من كتابته في الثمانينات من القرن الماضي، إلا أن الأمر ما زال ماثلاً حتى اليوم، حيث يذهب الدخيل في مقاله لمناقشة غنى الدولة من عدمه، ويذكر أن «القول بأن الدولة البترولية ذات الفوائض النقدية دولة غنية أمر ادعاء لا يستند إلى أسس ومعايير اقتصادية»، ذاكراً الخلاف في تحديد الدول المتقدمة من النامية، وصولا إلى أن التعريفات لم «تعد السيولة النقدية أساسا للحكم على دولة بالتطور أو التقدم»، ملمحا إلى أن الفوائض ليست إلا الجانب الآخر المالي للثروات الوطنية التي جرى استخراجها من باطن الأرض وبيعها»، وأن «هذه لا تعبر عن زيادة في إنتاجية الاقتصاد الوطني بفعل تضافر عوامل الإنتاج ويظل «البترول ثورة متلاشية، وجد بفعل القوى الطبيعية في باطن الأرض وهو ثروة ناضبة لا يمكن إعادة إنتاجها»، ويدق ناقوس الخطر في مقاله هذه من أن «المملكة المالك الأكبر للاحتياطيات البترولية والمال الناجم عن استخراج وتصدير النفط، لا تملك في أصولها الرأسمالية البشرية والمادية المنتجة أو المتنامية إلا الشيء القليل جداً.. فهي لا تعد دولة غنية أو متقدمة اقتصادياً.. وإنما في مركز متأخر». ويؤكد في مقال آخر على خلق توزان اقتصادي بين استهلاك النفط والطاقات الإنتاجية البديلة. وفي مقال آخر يقترح أن «الحفاظ على خام البترول في باطن الأرض أفضل وسيلة للاستفادة منه مستقبلاً، نظراً للزيادة المطردة في أسعاره»، و»الاقلال من استخراجه واستهلاك جزء منه في الوقت الحاضر»، وذلك لضمان مصدر للأجيال المقبلة». وبحث في مقال «الاقتصاد السعودي ومرحلة الركود الاقتصادي» التي حدثت بعد انخفاض في أسعار برميل البترول. ويسهب في الحديث حول التنمية تحت عنوان «قراءة في مسيرة التنمية»، الذي نشر في 1986م، ابتداء من عام 1940م حيث بداية الاقتصاد السعودي، ومروراً بخطط التنمية والإنفاق الحكومي في 1970م – 1982م، والركود بعد الطفرة لانخفاض النفط في 1982م، والنظام المصرفي والعمالة السعودية، والشركات المساهمة والإنفاق الحكومي في ظل انكماش الايرادات البترولية، والتنمية والاستقرار الأمني والاجتماعي، ويخلص في مقاله هذا إلى اقتراح 12 نصيحة متعلقة بترشيد السياسيات الاقتصادية. ويسجل الدخيل في كتابه «رؤية استراتيجية للمستقبل الاقتصادي والبترول في المملكة»، يرى فيها أن الاستقرار السياسي الحقيقي والطويل يقوم على حرية المواطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمساواة بين جميع طوائف المجتمع وأعراقه رجالاً ونساء في الحقوق والواجبات، والالتزام والاحترام الكامل من قبل السلطة التنفيذية والقضائية لحقوق الإنسان، وتحقيق العدل واستقلال القضاء، وتحريم الفساد وتجريمه. ويستعرض في الاستراتيجية تسع نقاط يرى أنها كفيلة بالنهوض الاقتصادي. ويطالب ب: الادخار الوطني للأجيال المقبلة، وإشراك المواطنين في امتلاك وإدارة الأصول البترولية، وغيرها.