استمر التوتر الاجتماعي في تونس، ولم تمنع الأجواء الاحتفالية في البلاد هذه الأيام بمناسبة الذكرى الثانية للثورة، من تزايد حدة التجاذبات السياسية في البلاد بين الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية والمعارضة بشقيها الليبرالي واليساري. وعمد عدد من الشباب في محافظة جندوبة غرب العاصمة تونس أمس إلى إغلاق الطريق أمام مكتب البريد وحرق الإطارات المطاطية واستعمال الحواجز الإسمنتية لإغلاق طرق رئيسية و أخرى فرعية احتجاجاً على البطالة وسوء الأوضاع الاجتماعية. وتدخلت قوات الأمن لتفريق المحتجين وفتح الطريق واستعملت في سبيل ذلك الغاز المسيل للدموع بحسب ما أفاد مصدر أمني فإن عدد الموقوفين بلغ 18 شخصاً وأن عملية المطاردة لا تزال متواصلة. واحتفل عديد من المدن والقرى التونسية على غرار القصرين وبن قردان على طريقتها بالذكرى الثانية للثورة، عبر الاحتجاج على بطء التنمية في الجهات المحرومة معتبرين أنه لم يتغيّر شيء يذكر في تونس من الناحية الاقتصادية والاجتماعية خلال السنتين. عقد اجتماعي وتنفي الحكومة التونسية بشدة هذا الأمر والتي وقعت أمس على «العقد الاجتماعي» مع كل من الاتحاد العام التونسي للشغل ( النقابة المركزية الأكبر في تونس) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة ( منظمة أرباب العمل التونسيين)، والذي يعتبر أول عقد من نوعه في تاريخ تونس الحديث. ويهدف هذا العقد الاجتماعي إلى بناء توافق وطني لتنظيم الحوار بين الأطراف الثلاثة بما يضمن تحقيق السلم الاجتماعي ومنع الاحتقان السياسي. ومن المفترض أن يجنب هذا العقد البلاد ما يعطل عجلة الإنتاج وفق آليات تعتمد على الحوار والتشاور بدل الانفراد بالقرار وفرض الأمر الواقع، لكن دون المس بالحق في الإضراب. وتضم الوثيقة خمسة محاور أساسية وهي النمو الاقتصادي والتنمية الجهوية التي تؤسس لتوافق وطني من أجل بناء نموذج تنموي جديد يقضي على حالة التهميش التي تعاني منها أغلب المناطق الداخلية. و المحور الثاني هو سياسات التشغيل والتدريب المهني و يتضمن العمل على رسم إستراتيجية وطنية لمواجهة آفة البطالة وإعادة النظر في منظومة التدريب المهني. و ثالثا العلاقات المهنية والعمل اللائق، عبر اعتماد نموذج جديد للعلاقات المهنية يقوم على التوازن ويبني شراكة بين جميع الأطراف تهدف إلى الحفاظ على المؤسسة وضمان إنتاجيتها. أما المحور الرابع فيتعلق بالحماية الاجتماعية، بالاتفاق على مراجعة شاملة لأنظمة الضمان الاجتماعي والمسارعة بإجراءات إصلاحية لتجنب إفلاسها. واخيرا مأسسة الحوار الاجتماعي، وهو اتفاق على إحداث مجلس وطني للحوار الاجتماعي يتمتع باستقلالية مالية وإدارية ويستشار وجوبا في جميع مشاريع التشريعات التي لها علاقة بالجانب الاجتماعي. مطالب مشروعة وقال الوزير المكلف بالملف الاقتصادي والاجتماعي رضا السعيدي إن تونس حققت مكاسب عديدة بعد عامين من الثورة، مشيراً إلى أن التونسيين أصبحوا ينعمون بحرية التعبير، وحق التظاهر، وتأسيس الأحزاب والجمعيات. وعن موقفه من الاحتجاجات في بعض الجهات، رأى الوزير التونسي أنه يمكن اعتبار الوضع عاديا بعد الثورة، مضيفا أن هناك مطالب مشروعة كثيرة تسعى الحكومة إلى تلبيتها حسب الإمكانات المتوفرة. وتابع أن الحكومة حققت نسبة نمو في حدود 3%، مكنت من توفير نحو مائة ألف وظيفة. وأشار السعيدي، وهو قيادي في حركة النهضة، إلى عراقيل قانونية وإدارية تعطّل إنجاز مشاريع التنمية، وهي الركيزة الأساسية لدفع التشغيل. كما أشار إلى محاولات من قِبل من أسماهم بقايا النظام السابق وأطرافا معادية للثورة لتعطيل عمل الحكومة وإفشال الانتقال الديمقراطي. أداء ضعيف و في المقابل فإن المعارضة ترى بأن أداء الحكومة التونسية «ضعيف» فيما يتعلق بالملفات الاجتماعية والاقتصادية، محذرة في الوقت نفسه من خطورة بعض المواقف السياسية التي تتبناها حركة النهضة وحليفها في الحكم المؤتمر من أجل الجمهورية والمتعلقة بمحاولة إقصاء أحد أكبر الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد أي حركة نداء تونس بزعامة الباجي قايد سبسي، وهي مواقف ترى المعارضة أنها تزيد من تواتر ظاهرة العنف السياسي ما يهدد السلم الأهلي في تونس. واستغلت أبرز الوجوه السياسية في تونس مناسبة ذكرى 14 يناير للتذكير بضرورة العمل على توافق وطني بشأن موعد الانتخابات القادمة وبعث الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئات أخرى مستقلة لكل من القضاء والإعلام.