كتب سعادة الدكتور، شاهر النهاري، في «الشرق» يوم الإثنين الفائت مقالاً مهماً بعنوان «رسالة لإخوتي الأطباء» تحدث فيه عن دور الطبيب السعودي في العمل التطوعي. وأقول للزميل القدير: إن الرسالة رغم مضمونها النوراني وروحها الوضاءة فإنها قد لا تصل؛ لأن ساعي البريد سيضعها في الصندوق الخطأ. سأطرح وجهة نظري من زوايا مختلفة تنطلق مما تفضل به كاتبنا العزيز، فلقد كان الخطاب موجهاً للأطباء كأفراد كونهم أطباء سعوديين، وأنا لي تحفظٌ على هذا المنهج الذي يتوقع من الفرد السعودي حضوراً إيجابياً بسبب أنه سعودي، ويحصل هذا في مناخ آخر، فنتوقع من الداعية السعودي الملائكيَّة، ومن الليبرالي السعودي الحريَّة، ومن التاجر السعودي النزاهة، كل ذلك يتم دون النظر لاعتبار الوعاء الذي يسير فيه هذا السعودي! وفي حالتنا هذه؛ فإن النظام هو المقصود، وهو الذي تجب مخاطبته ومحاكمته. والنظام هنا ليس آلية عمل فقط، بل هو حالة متكاملة تشمل الأذرع الثقافية والفكرية له، وفي الحالة الطبية تحديداً، وكمثال، فإن الخلل في لباس بعض العاملات في الميدان الصحي الذي يلقى نقداً من المجتمع لا يمكن الاكتفاء بضرورة الالتزام لكون المرأة سعودية فقط، بل تجب الإحالة للنظام الذي يفرض الالتزام المهني الكامل المتضمن اللباس. لقد تحدث الرسول – عليه الصلاة والسلام – عن أناس يُقادون إلى الجنة بالسلاسل، وأرى فكر المؤسسية يستتر تماماً خلف هذا المفهوم الديني حين نسقطه على حياتنا لندخل جنة التنمية، فالنظم هي التي تصنع أخلاقيات المجتمع وتشكلها. والحديث عن الطبيب السعودي في اتجاه العمل الطبي التطوعي ذو شجون كثيرة، فتشذر المؤسسات الطبية واختلاف أنظمتها خلق نوعاً من ضعف العدالة، خاصة فيما يتعلق بالعمل بالقطاع الخاص، مما شجَّع النزعة النفسية للحاق بالركب، بل فرغ المناطق الطرفية من الكفاءات المتخصصة، فهاجرت نحو المدن الكبرى للمنافسة على الكعكة، وهنا أشير إلى ضرورة خلق بيئة حرة ومنضبطة وعادلة لعمل الأطباء في القطاع الخاص مع ضرورة أن يقدم القطاع الصحي الخاص عملاً تطوعياً لخدمة المرضى المحتاجين يكون جزءاً من نظام أصيل مرتبط بالفسح له، وباستمرارية التصريح له؛ حتى لا نركن إلى نوازع فردية خيرة قد لا تنجح وسط تغول المال على النفوس! يرى البعض عدم الحاجة إلى عمل طبي تطوعي مع كل هذه الميزانيات الضخمة، وهذا خلل في التفكير يتكئ على عدم الثقة بالأفراد، وإمكانية تحوير هذا العمل لمصالح خاصة، ويعود السبب أيضاً للتقليدية في طرح المشاريع التطوعية مع عدم إلمام جيد بإشكالات المرضى في واقع الخدمة. إن العمل الطبي التطوعي في الوضع الحالي هو لسد ثغرات الخدمة الحكومية والخاصة، وما لم نزرع الفكرة في الأذهان من الآن فإنَّ المشكلات في المستقبل ستكون كبيرة، ولهذه الفكرة امتداد في موضوعات قادمة.. والشكر للدكتور «شاهر» مرات عديدات.