كان يمكن للمخرج السعودي عبدالله المحيسن أن يسدل على اللحظة الأخيرة في فيلمه الروائي الأول “ظلال الصمت” ستار (اللا مفكر فيه)، أو (اللا متوقع)، بتمرير لوحة فاتنازية محرّضة على التأمل العميق، ومحفّزة للمشاهد على مشاركة المحيسن في صنع النهايات، إلا أنه آثر أن يذهب بنا إلى تقليدية مألوفة في المسلسلات التلفزيونية في العقدين الماضيين تتمثل في انتصار الخير على الشر، ونجاة البطل مما يحاك له من مؤامرات ودسائس، لتأتي الخاتمة سعيدة، باعتبارها نهاية محتّمة للعدالة المطلقة، وبقدر ما سيطاول هذا الفيلم من نقد، إلا أنه من العتبات المهمة في مشروع السينما السعودية، خصوصاً أنه يتناول جانباً من علاقة المثقف بالسلطة القمعية، مستوحياً جانباً من العمل، كما ظهر للمتابعين بعضاً من عالم (رجب) بطل الروائي السعودي عبدالرحمن منيف في شرق المتوسط، ويمكن للمتابع للسينما العالمية والعربية أن يلحظ على “ظلال الصمت” طغيان الفكرة على حساب الجانب الفني، ما يجعل منها عبئاً يزاحم الفنيّة، ما يُحدث ربكة في تساوق معطيات المكان والزمان، مع ألم الإنسان في تراتبية الحوار والصراع، إضافة إلى أن عنوان الفيلم “ظلال الصمت” غير منسجم مع مشاهد مرّت بنا في ساعة من عمر الزمن الصامت، إلا أنها معبأة بكثير من الكلام، ولم يغالِ المحيسن في توظيفه السجون والمعتقلات، كأبطال رمزية، كونها سيدة الفضاءات في عقود مضت قبل انطلاقة الربيع العربي، وظلال الصمت الناطقة في مساحة استوعبت ثنائية السجّان والسجين، وتربط بين الماضي والحاضر، وأصّلت مفهوم العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، وأزالت الحواجز والحدود بين واقع مفتون بالأحلام، وأحلام لا تجد لها قبولاً على أرض الواقع، ما أشعر المتابع لفيلم المحيسن أنه يؤسس لقيم إنسانية وحضارية لا ينالها الإنسان إلا بعد كفاح مرير تسهم فيه ظروف موضوعية وأقدار إلهية معجزة، جاءت في هيئة إسقاطات عدة خرج بها صانعها من محيط المحلية السعودية إلى فضاء عربي مشترك ومتقاطع في هواجسه الأمنية من المثقفين. من جانبه، التمس السينمائي ممدوح سالم العذر لصديقه المخرج عبدالله المحيسن، كون الإنتاج السينمائي يحتاج إلى تمويل مالي كبير، إضافة إلى خلفية سينمائية وتقنية ترفع من مستوى الجودة، وترتقي بالعمل، مشيراً إلى أن افتقادنا للأكاديمية السينمائية يُفقدنا المنتَج المميز والعمل المدهش، كون السينما صناعة، وبقدر ما تتوافر بنيتها التحتية تتوافر كوادرها، شأنها شأن أي عمل فني، ويعوّل سالم على الجيل الشاب المفتون بالتقنية اقتناء وإدراكاً لمفرداتها وتوظيفاتها، مؤكداً أن للمحيسن تاريخاً طويلاً مع الأفلام التسجيلية والوثائقية تمنحه فرصة السبق في تطوير أفلامه المقبلة، وتضع أرضية صلبة تُمكِّن كل السينمائيين السعوديين لاحقاً من مراكمة خبراتهم بمزيد من الأعمال، لافتاً إلى أن الجور في النقد والمحاكمة لعمل مثل هذا العمل غير منطقية، كونها لا تضع في الاعتبار كل الظروف المحيطة بمنتج ومخرج العمل المنطلق بجهد ذاتي، مؤملاً أن تشهد الأيام الآتية حضوراً مشرّفاً للسينما السعودية.