تعز – الشرق الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الأخير شحنات أسلحة إيرانية تصل إلى فلسطين بعد تهريبها عبر اليمن. طهران سلّحت الحوثيين والقوات الحكومية التي تحاربهم في آنٍ واحد عام 2008. تجار سلاح كانوا يحصلون على توكيلات من وزارة الدفاع لتمرير شحناتهم إلى السوق اليمنية. المؤسسة الاقتصادية التابعة للجيش كانت أكثر جهة تهرب المخدرات عبر شحناتها. تفريغ شحنة سلاح إيرانية في عرض البحر قبل أيام بعد كشف أمرها في ميناء ميدي. مصادر ترجح إبلاغ تركيا وقطر عن الشحنة لمواجهة نفوذ طهران في المياه اليمنية. أقارب علي صالح واللواء علي محسن والشيخ الأحمر وشخصيات من حاشد وسنحان كانوا يمارسون التهريب عبر الموانئ. كانت تعز فيما مضى إحدى أهم مناطق اليمن، وكان ميناء المخا الواقع فيها من أهم موانئ العالم طيلة 13 قرناً، حتى بدأت رحلة التراجع بعد أن ضربها الإنجليز والإيطاليون خلال الحرب العالمية الأولى مستهدفين الأتراك الذين كانوا قد احتلوها. خبا نجم تعز لعقود بعد الحرب، حتى صعد الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي، إلى الحكم في صنعاء، فأعيد تأسيس ميناء المخا، لكن ترك الرئيس السابق علي عبدالله صالح موقعه كحاكم عسكري لتعز وشريطها الساحلي وانتقاله إلى العاصمة لإدارة الدولة بعد مقتل الحمدي وأحمد حسين الغشمي، كان كفيلاً بتحول المحافظة إلى بؤرة تهريب نشطة ومصدر إثراء غير مشروع لرموز حكمٍ وقادة عسكريين ومشائخ ومنتفعين. وبعد سقوط نظام «صالح» دخلت دول وجماعات سياسية سوق التهريب الذي يستهدف المملكة بعد السوق المحلية اليمنية، ويبدأ التهريب من البضائع مروراً بالمخدرات والأسلحة وصولاً إلى البشر. تحول ميناء المخا، الواقع على الشريط الساحلي الغربي لليمن، إلى أهم مراكز التهريب في المنطقة، بعد أن كان من أشهر موانئ التجارة في العالم خصوصاً تجارة البن. وتتنوع عمليات التهريب في المخا، ويعدّ تهريب البشر، وتحديداً القادمين من إفريقيا، أخطرها، كما تنشط عمليات تهريب السلاح والمخدرات، وتعدّ المملكة العربية السعودية الهدف الثاني لهذه العمليات بعد اليمن. رصدت «الشرق» في الحلقة الثالثة من ملف «تعز.. عاصمة التهريب في اليمن» عمليات التهريب في الموانئ الحكومية، وتورّط كبار قادة الدولة اليمنية فيها على مدار سنين وحتى الأحد الماضي. وقال مسؤول حكومي رفيع ل»الشرق» إن عمليات التهريب تنشط في الموانئ اليمنية بشكلٍ كبير وبنفس معدل نشاط حركة التهريب في سواحل مدينة تعز، مؤكداً أن أسماء كبيرة وقيادات عليا في الدولة كانت ومازالت تمارس التهريب كنشاط تجاري وتستغل مواقعها للإثراء غير المشروع وتستخدم نفوذها لإدخال أي شحنات تريدها. واتهم المصدر أقارب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، واللواء علي محسن الأحمر، وأولاد الشيخ عبدالله الأحمر، وكبار قادة الجيش والدولة من قبائل سنحان وحاشد، وشيوخاً آخرين، بأنهم كانوا يمارسون التهريب عبر الموانئ، وأن شحناتهم ترد باعتبارها سلعاً ومواد استهلاكية. وأوضح المصدر أن عدداً كبيراً من تجار السلاح كانوا يُدخِلون شحناتهم إلى اليمن عن طريق الموانئ، ويتم منحهم توكيلات من وزارة الدفاع تفيد بأن السلاح ذاهب للحكومة اليمنية بينما يذهب للسوق اليمنية وأسواق أخرى من خلال إعادة تصديره. سلاح إيراني وأكد المصدر أن شحنات سلاح إيرانية يتم تهريبها إلى فلسطين عن طريق اليمن والسودان، وأن السلطات اليمنية كانت توكل هذه المهمة إلى مهربي السلاح الذين يتفقون مع الجانب الإيراني مقابل عمولات عبارة عن شحنات سلاح لهم تدخل إلى الأراضي اليمنية ويتم تقاسمها بين وزارة الدفاع والمهربين لتقوم الحكومة اليمنية بعد ذلك بشراء حصة المهربين من الصفقات الإيرانية بأسعار أدنى من السعر في السوق الدولية. وكشف المسؤول الحكومي عن أسلحة إيرانية تم صرفها لأجهزة الأمن اليمنية كانت عبارة عن صفقات بين مهربين والمخابرات الإيرانية حصلت وزارة الدفاع اليمنية بموجبها على شحنة سلاح إيراني بقيمة خمسين مليون دولار عام 2008، وفي ذروة الصراع الحكومي مع الحوثيين الذين سلّحتهم طهران. وقال المصدر إن نظام صالح كان يكافئ أنصاره الكبار بصفقات معينة سواءً في التهريب أو في صورة إعفاء من الضرائب والجمارك أو تقديم أي تسهيلات يطلبونها، الأمر الذي أدى إلى بناء إمبراطوريات تجارية كبيرة داخل اليمن، وإيجاد تنسيق ومصالح بين شبكات التهريب والتجارة والمتنفذين لم تستطِع أزمة العام الماضي تفكيكها. ورأى المصدر أن حدة الصراع بين القوى القبلية والعسكرية التي كانت تحكم اليمن طيلة ثلاثين عاماً، وانقسامها إلى فريقين، لم يؤدِّ إلى تضرر المصالح التجارية بينهم «لأن إدارات مستقلة هي من تقوم بتسيير هذه المصالح، حيث إن وكلاء صالح وأولاده ووكلاء علي محسن وآل الأحمر ينشطون تجارياً وينسقون فيما بينهم دون أي معوقات، بل ويتفقون على تجاوز أي معوقات». وأوضح أن أساطيل نقلٍ بحري مملوكة لعدد منهم تعمل في البحر لنقل الوقود والبضائع، وأيضا التهريب تحت غطاء العمل التجاري ودون أي تعارض بينها. تهريب مخدرات ولا تقتصر عمليات التهريب على السلاح، بل دخلت المخدرات لتكون سلعة رائجة في اليمن مؤخراً، بعد أن كان ممراً في طريق تهريب المخدرات والحشيش القادمة من باكستان عبر إيران ثم عبر السواحل اليمنية وصولاً إلى المملكة. وتتم عمليات تهريب المخدرات عبر سواحل مدينة تعز وشبوة وأبين وأيضاً عبر الموانئ اليمنية بطرق مختلفة. وقال مسؤولٌ في ميناء الحديدة ل»الشرق» إن حاويات كانت تحوي كميات من السكر قادمة من البرازيل تم تهريب مخدرات في داخلها، وإنه تم فتح الحاويات أمس الأول وعددها ثلاث من قِبَل أشخاص غير معروفين في الميناء، وإخراج المخدرات من داخلها، الأمر الذي أثار حالة استنفار في الميناء، خصوصاً أنه تم رغم وجود وزير الداخلية اليمني في الحديدة للتحقيق في تهريب شحنة سلاح إيرانية على متن سفينة تم ضبطها في ميناء ميدي في محافظة حجة الحدودية مع المملكة. وتتبع شحنة السكر وزارة الدفاع اليمنية وتحديداً ذراعها الاقتصادي «المؤسسة الاقتصادية» التي تدير استثمارات كبيرة كانت مصدر دخلٍ مهماً لعلي صالح وأركان نظامه. وفي منتصف ديسمبر الماضي، ضبطت السلطات الأمنية كمية كبيرة من المخدرات داخل شحنة سكر تابعة لوزارة الدفاع اليمنية استوردتها أيضاً ذات المؤسسة، وهي عبارة عن أربع حقائب تحوي 115 كيلوجراماً من المخدرات تصل قيمتها حسب تقدير السلطات اليمنية إلى 35 مليون دولار، وتم ضبط الحقائب وهي بداخل حاوية تابعة للمؤسسة الاقتصادية اليمنية في ميناء الحديدة، واحتوت على مخدرات من نوع (كوكائين)، وقالت السلطات اليمنية حينها إن إحدى الشركات الكبيرة في اليمن هي الوسيط مع المؤسسة الاقتصادية، وإن هذه الصفقة كشفت عن عمليات تهريب خطيرة للمخدرات تتم عن طريق شحنات لجهات حكومية. وقال المسؤول الحكومي إن المؤسسة الاقتصادية التابعة لوزارة الدفاع كانت أكثر الجهات التي تهرب المخدرات عبر شحناتها إلى اليمن، وإنه تم مؤخراً كشف هذه الجهات «لكن إيقافها ليس بالمهمة الهينة»، حسب قوله. ورأى أن عدم إعلان نتائج التحقيقات في شحنات المخدرات والسلاح التي تم ضبطها يعدّ دليلاً كافياً على أن جهات كبيرة في البلاد هي من تقف خلف هذه الشحنات بطريقة مباشرة، وأن وزير الداخلية لن يتمكن من إعلان أو اتهام أي جهة حتى لو كان أحد أبناء علي صالح، كون حلفاء وزير الداخلية أيضاً متورطين في هذه العمليات. وقبل أربعة أيام، أوقفت القوات البحرية اليمنية سفينة إيرانية في ميناء ميدي في محافظة حجة قيل إن على متنها فحماً وسلاحاً إيرانياً، وتم نقل السفينة إلى ميناء الصليف ثم إلى ميناء الحديدة من أجل تفتيشها، حيث نزل وزير الداخلية عبدالقادر قحطان، شخصياً لرئاسة فريق التحقيق. وكشفت مصادر ل«الشرق» أن تحويل السفينة من ميناء ميدي إلى الصليف ومن ثم إلى ميناء الحديدة جاء نتيجة صفقة بين جهات عديدة، وأن السفينة عندما وصلت الحديدة لم تكن على متنها قطعة سلاح واحدة، حيث تم تفريغ الشحنة في عرض البحر من خلال قوارب صغيرة، ما يجعل طريقة تحويلها إلى موانئ أخرى نوعاً من التمويه. وذكر المسؤول أن الأسلحة لم تذهب للحوثيين بعد أن تم كشفها، بل ذهبت إلى أطراف أخرى صادرت الشحنة قبل أن تصل لها يد الدولة «وبالتالي فطاقم السفينة، وغالبيتهم سوريون، لن يتمكنوا من كشف عملية المصادرة خوفاً على وضعهم القانوني، وسيصرّون على أن الحمولة هي فحم فقط»، حسب تأكيده. وتابع «من أجبر السفينة على التوجه إلى ميناء الصليف هم عناصر حرس الحدود، ولم تكن وزارة الداخلية وخفر السواحل على علم بذلك، حيث إن الصيادين هم من أبلغ حرس الحدود عن السفينة، وهذه هي خيوط الصفقة، الصيادون وحرس الحدود وقيادات عسكرية نافذة سبقت وزير الداخلية ووجهت بتحويل السفينة إلى الحديدة بينما كان يجب تفتيشها مكان توقيفها». ولم تستبعد مصادر تواصلت معها «الشرق» أن تكون المخابرات التركية والقطرية التي تعمل لمواجهة التحرك الإيراني في المياه اليمنية والدولية هي من تقف وراء الإبلاغ عن السفينة الإيرانية وتوجيه حلفائها في الداخل بمصادرة شحنة السلاح. دعم داخلي وفي هذا السياق، قال الخبير الأمني علي القرشي، الذي تحدث ل»الشرق» في الحلقة الثانية من الملف، إن كل المصادر والتقارير الأمنية في اليمن ترجح تزايد نشاط تركيا وقطر وارتفاع منسوب حركة التهريب والوجود في المياه اليمنية لتوجيه حركة التهريب والاستفادة منها، ورأى أن الدور الإيراني تراجع أمام دور تركيا وقطر اللتين تحظيان بدعم داخلي من حركة الإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى، وصف القرشي جزيرة حالب الإريترية، التي تطل على ممر باب المندب، بأنها أصبحت شبه قاعدة عسكرية إسرائيلية لحماية مصالح إسرائيل، ورأى أن إريتريا باتت تحت سيطرة إسرائيل وقطر وتركيا مؤخراً «وهو ما يهدد استقرار وأمن اليمن والسودان والسعودية»، حسب تقديره. ورأى القرشي أن كل تحركات إيران هي بمثابة عمل مضاد لتحركات تركيا وقطر وإسرائيل سواءً في البحر الأحمر أو في المحيط الهندي. ونبّه القرشي إلى أن القوات الدولية متعددة الجنسيات لا تعترض المهربين إطلاقاً، بل تسمح بمرورهم دائماً. عجز حكومي وأمام كل هذه الفوضى التي تعيشها المياه اليمنية والمنطقة المحاذية في الممر الدولي، تقف القوات اليمنية في خفر السواحل والبحرية والاستخبارات مشاهدة أحياناً ومشاركة في الإضرار بالوطن أحياناً أخرى. وكان وزير الداخلية الأشهر في تاريخ اليمن الدكتور رشاد العليمي، قال ذات مرة أمام البرلمان إن الدولة تدفع للجندي في السواحل والبحر ثلاثين ألف ريال، أي ما يساوي 130 دولاراً أمريكياً حينها، بينما المهرب يدفع 500 دولار للجندي في كل شحنة تهريب، وتساءل في سياق دفاعه عن وزارته «كيف تريدون من جندي يتسلم شهرياً آلاف الدولارات أن يحمي وطنه الذي يدفع له ثلاثين ألف ريال لا تكفيه لا هو ولا أسرته؟!». وتشير مصادر «الشرق» إلى أن جهاز المخابرات في اليمن «الأمن القومي» رفع عناصره من مناطق التهريب بعد أن كانت بدأت في الترتيب للتخفيف من عمليات التهريب وملاحقة الشحنات الخطرة، وتشدد المصادر على أن الشريط الساحلي لمحافظات تعز ولحج والحديدة وصولاً إلى ميدي الواقعة في محافظة حجة الحدودية مع المملكة، تحول إلى عاصمة للتهريب في اليمن، وأن هناك إمكانية للتوسع إلى دول الجوار. ويموت آلاف الأطفال سنوياً بالسرطان جراء المبيدات الإسرائيلية المهرَّبة إلى الداخل والأدوية المهربة ذات الصلاحية المنتهية، كما يُقتَل قادة الجيش برصاص مسدسات تركية كاتمة للصوت، ويلقى جنودٌ حتفهم على مدار سنوات بآلة القتل الإيرانية في جبال صعدة ومناطق شمال الشمال، كما ينتهي عمر شباب عبر إدمان المخدرات الوافدة بين شحنات السكر الحكومية، ولم تسلم دول الجوار أيضاً من شرور مافيا التهريب. جزء من قوارب يملكها أحد كبار المهربين في المخا مركز الكدحة الساحلي ثاني أكبر مواقع التهريب في اليمن أفارقة في طريقهم إلى المملكة سيراً على الأقدام