غلاف رواية "خاتم اليشب" للكاتب فارس غرايبة بيروت (جورج جحا) – رويترز يرجع الكاتب الأردني فارس غرايبة في روايته “خاتم اليشب” إلى نمط من الكتابات القديمة، ومنها الملاحم، خاصة اليونانية، وألف ليلة وليلة، فضلاً عن نمط مشغلي صندوق الدنيا، أو “صندوق الفرجة”، من نغمات مموسقة مسجعة. والمرجح عند قراءة الرواية أن يتساءل القارىء عما يريد الكاتب أن يقوله، أو عن الفكرة الرئيسية التي تسيّر هذا العمل القصصي، إذ إن المؤلف ينتقل بنا من موضوع إلى موضوع دون تبرير فكري، أو سردي كاف لهذه الانتقالات. وكثيراً ما ينتظر القارئ الانتهاء من قراءة قسم من أقسام الرواية لعل فيه كشفاً عن فكرة أساسية يقوم عليها هذا العمل السردي. إلا أنه لابد من الاعتراف بنجاح الكاتب في السرد التفصيلي، إلى درجة قد يجد القارىء نفسه يتساءل عن الرواية أين هي. وربما كان القارىء محقاً في القول إن “خاتم اليشب” سرد مفصل دون رواية. لدينا أقسام مستقلة كلما انتهى قسم منها نقلنا الكاتب إلى قسم جديد دون أن نعرف إلى أين يريدنا أن نصل. ولربما حق لنا القول إنه لا يبدو أن الكاتب نفسه يعرف إلى أين يريد أن يصل. في الرواية كثير من الحكم والعظات، لكنها تأتي دائماً مستقلة منفصلة عن السياق العام للرواية، وكأن الكاتب سائق سيارة يقلع بها دون أن يبدو أنه يقصد وجهة معينة. جاءت الرواية في 203 صفحات متوسطة القطع، وصدرت عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر). تروي القصة حكاية آدم الذي أعجب بالفتاة “شوق” التي قالت إنها ستصبح له إذا جاءها بخاتم يشب كانت جدتها قد باعته. الخاتم فيه علامة فارقة وصفتها شوق له. سأل أهله عن الأمر فنصحوه بأن يسأل بائع الصدف الذي بدوره طلب منه أن يسأل عرّافاً في قرية الصفصاف. طلب منه هذا الأخير أن يدخل في أعماق نفسه بأن يشرب من النبع البارد في سفح جبل الصوان. وتستمر الحكاية تذكرنا بالقصص القديمة، خاصة عن البطل الذي يفتش عن “الست بدور وراء السبع بحور”، وما يتعرض له من مشكلات وويلات، وكذلك ببعض القصص التي تروى للصغار. وفارس غرايبة مولع بالكتابة المسجعة التي تواجهنا في معظم الكتاب. مضى آدم يسأل كبير الصيادين الذي قال له “عليك يا آدم أن تصل إلى الميناء الكبير”. سأل عن القبطان صفوان الذي رد عليه بكثير من السجع “النوني”، قائلاً له إنه سيأخذه إلى جزيرة البركان دون أجر، بل سيجعله يعمل على سفينته. يروي الكاتب ذلك بطريقة محاكاة كتابات قديمة، وبما يذكّر بنجم عالم الصغار، مشغّل صندوق الدينا الذي يطلق عليه في بعض الأماكن “صندوق الفرجة”. وعالم السفينة مثالي “فقد عودهم قائدهم القبطان أن كل عمل مهما كان في نظرهم بسيطاً، فهو مهم، خصوصاً إن أداه صاحبه بمحبة وإتقان، فكل منهم يكمل الآخر، فلولا الهر لانتشرت الفئران، ولولا الدوري لملأ الدود كل مكان”. ولأن الليل طويل، والأسفار طويلة، ولامجال للتذمر، أضاف ربان من الربابنة يقول له “ما بك، ما زلنا في أول المشوار، أتدري كم هي بعيدة جزيرة البركان، إذا كانت الريح مؤاتية، وكما يشتهي القبطان، سنصل على أقل تقدير بعد ستة أشهر من الزمان…”. وقال أما إذا أذعت سر جزيرة البركان “فتلاحقك لعنة البركان وتحترق”. ومضى يقول له معرفاً بالقبطان صفوان “أنت محمي بثقة القبطان صفوان.. إنك لا تعرف القبطان صفوان، فالأسطورة تقول إنه ابن حورية.. فهي تحميه وترعاه وتذود عنه كل لعنة، وتدفع عنه غدر البحار والزمان”. ولما اقترب المركب من جزيرة البركان، حذره القبطان قائلاً “رمل الشاطيء من ذهب، وكلما نظرت إليه تذكر وتخيل أنه رمل، وليس ذهباً”، اتقاء لغضب سكان الجزيرة. وبسبب مخالفة الأوامر، هاج البحر، وأراد أن يفتك بالسفينة لولا تدخل الحورية التي أنقذتهم. وصلوا إلى “صحراء القمر”، وأخذ آدم يبحث عن الشيخ أيوب. وفي المدينة، جاء مسلحان، واقتادا آدم إلى السجن. وقبل ذلك كان قد عرف من أحدهم أنه ممنوع خروج النساء إلى الشوارع، لأن ملكة الجزيرة امرأة دميمة جداً لا تريد أن يرى أحد امرأة أجمل منها. وضع في زنزانة مع زميل له اسمه عدنان، فتصادقا، وأصبحا كأخوين. وأخرجا من القصر إلى الملكة التي قالت إنها تريد الحفاظ على النسل، وتريد أن تتزوج أحدهما. آدم اعتذر لأنه يحب شوق، أما عدنان فقبل، وصار نتيجة ذلك ملكاً للجزيرة، وصار آدم مساعداً له. وبعد مدة، رزق الزوجان بولد. وبعد فترة من الزمن قتل أحد الحراس الملك. أدرك آدم أن الملكة قتلته بعد أن رزقا بولي عهد. هرب آدم من الجزيرة. بحث عن الحكيم أيوب، وسافرا معاً إلى بلد آخر. وصلا إلى مدينة السهول العظيمة، والتقيا ملكها الطيب المتواضع، وكأنه واحد من السائرين في الشارع. صار صديقاً لآدم. قرر الذهاب معه إلى مدينة “الآخرين” ليحل خلافاً بينهم وبين شعبه. سأل الملك الكبير “من هم الآخرون.” فرد عليه بقوله “ليس كل موجود تراه، وهناك عالم آخر لا يمكننا نحن البشر أن نراه سكانه الآخرون”. وقال الملك إن الآخرين هم الجن. وأعطاه دواء معيناً يضعه في عينيه ليستطيع أن يبصر الآخرين. ولما وصلوا إليهم أبلغهم هؤلاء أن تاجراً جاءهم بخاتم يشب ثم أحرقه، وبذلك سيطر عليهم، وجعلهم يقومون باعتداءات على جيرانهم، وأن لا خلاص لهم إلا إذا استطاعوا معرفة العلامة التي كانت مرسومة على الخاتم. بكى آدم لأنه أدرك أنه لم يعد يستطيع أن يأتي بالخاتم لمحبوبته، لكنه أبلغهم عن العلامة، فعادوا إلى السيطرة على أمورهم، وشكروا آدم والملك الذي عقدوا معه اتفاق سلام كما كان الأمر في السابق. ابنة ملك الجن التي تستطيع أن تغير شكلها عرضت نفسها على آدم، فأبلغها أنه يحب شوق. أعطته قدرة عجيبة هي أن يستطيع قراءة أفكار الآخرين، وهذا خلصه لاحقاً من مشكلات كبيرة. وبعد تفاصيل متشابهة عن رحلات مختلفة عاد إلى بلده فوجد أن أهله يعيشون في قصر بفضل الهدايا التي كان قد أرسلها لهم صديقه الملك عدنان، وأنهم أعطوا منزلهم القديم لأهل شوق الذين تغير حالهم إلى أسوأ. عندما التقى شوق أخبرها أن خاتم اليشب احترق. وبتلك القدرة التي أعطته إياها ابنة ملك الجن سمعها تقول لنفسها “وما حاجتي لخاتم وأنت رجل نلت الحكمة تتمناه كل النساء.” سألها إن كانت تقبل أن تتزوجه دون خاتم يشب، فقالت “نعم، ولو كان خاتماً من خشب”. وكما يقال في آخر الحكايات “وعاشوا باللذة والنعيم يطيّب عيش السامعين”. بيروت (جورج جحا) | رويترز