في مدينة مونتريال من كندا لفت نظري، وأنا أتمشى كعادتي اليومية، إعلان لقطة! وقفت وتأملت صورة القطة المسكينة وقد وزع الإعلان عنها باللغة الإنجليزية في الحارة التي أسكن فيها في كيركلاند. صورة حزينة لقطة مكسورة الجناح. يقول الإعلان: هل عثر أحد على هذه القطة؟ هذه صورتها! نرجوكم بالاتصال على التليفون كذا وكذا. إنها مريضة وتحتاج للعلاج! أردت أن أورد هذا الخبر لأخذ فكرة عن وضع الحيوانات في كندا وليس البشر، وهي صورة لكل مجتمع حقق الضروريات أن يصعد في السلم الحضاري بدون توقف. أذكر جيداً من التاريخ الملك الهندي أشوكا الذي كان جباراً فانقلب رحيماً وأغلق جحيم أشوكا الذي كان سجناً مرعباً يذكر بفروع الأمن الجهنمية السورية! انقلب أشوكا إلى الرحمة وبدأ بفتح مشافي للحيوانات فضلاً عن البشر، وأنشأ أكثر من ثمانين ألف معهد لنشر الرحمة في طول وعرض الهند، وكان خلف انتشار الأفكار البوذية حتى اليابان بتعاليم الطريق الثمانية: الفكر السليم والنية الصادقة والعمل الصالح والتركيز الملائم والتأمل في كل عمل... إلخ. قصة هذه القطة الضائعة في مونتريال حركت مشاعري باتجاهين؛ أرى قتل الناس بالجملة في بلدي سورية على يد قطعان الشبيحة، ومن جهة ثانية تلك القصة المروعة التي رأيناها وطائفة من الجنود السوريين وهم يقومون بمذبحة جماعية لقطيع من الحمير، عجزت في تفسيره لماذا قتل الحمير البريئة؟ أذكر جيداً مالك بن نبي في سلسلة كتبه عن الحضارة وأن شمسها فارقتنا منذ أيام ابن خلدون، وحين يموت البدن يبدأ في التحلل والتآكل، فهل نحن في طور من هذا الشكل من التفسخ والتآكل؟ أم أننا فعلاً قادمون على ربيع عربي؟ ربما قد يكون ربيعاً مضبباً أو لا يكون ربيعاً على الإطلاق.إن قصة القطة الضائعة تحكي المستوى الذي وصلت إليه كندا في العناية بالإنسان والحيوان، فأصبحت البلد رقم واحد في العالم، وهي ليست استثناء، ويمكن لأي بلد أن يصل ويسبق كندا؛ فكلها مستويات من الحضارة، وعلينا أن نستوعب أمرين: أن الحضارة وتحقيقها أمر ممكن لكل أمة على وجه الأرض، وأن هناك قوانين ومفاتيح للتغيير لعل أهمها أمران: التعليم والقضاء على الفساد، كما جاء ذلك في مذكرات رئيس وزراء سنغافورة في نقل البلد من العالم الثالث إلى الأول؛ فكلها قوانين. وكما يقول الرب: «كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً».