نواف بن سليمان تزخر الدولة بفرص وظيفية كبيرة نتيجة المشاريع الكبيرة القائمة والمنشأة الضخمة، مما جعلها مقصد كثير من الباحثين عن عمل من جميع دول العالم. استقطبنا مهناً من جميع التخصصات، حسب حاجة سوق العمل لدينا، وشكلت الوظائف الفنية ٪50 من حاجة سوق العمل، والوظائف الفنية التي أقصدها، وظائف القطاع الصحي، من تمريض إلى فنيين بجميع التخصصات، ووظائف قطاع الصيانة والتشغيل، وتشمل التخصصات الكهربائية والميكانيكية والإلكترونية وغيرها. تنبهت الدولة لأهمية توطين هذه الوظائف، فأنشأت المعاهد المهنية وكليات التقنية والكليات الصحية وغيرها، وساهم القطاع الخاص كذلك بالاستثمار في إنشاء هذه المعاهد، إيماناً من الجميع بخلق فرص جيدة للشباب يوفرها لهم القطاع الحكومي والخاص. أصبحت هذه الكليات والمعاهد تخرّج أعداداً كبيرة من الشباب بجميع التخصصات، البعض وجد فرص وظيفية مناسبة له والبعض الآخر مازال يبحث عن الفرصة. استقبل القطاع الحكومي والخاص هؤلاء الخريجين في البداية، وتحمس الجميع لمساعدتهم، وفجأة تغيَّر الأمر وأصبحوا يتسابقون للتخلص منهم! صدمنا جميعاً بمستوى خريجي هذه المعاهد، فنياً وانضباطياً. بحثنا عن الأسباب ورمينا الاتهامات على ضعف المناهج المقدمة من الكليات والمعاهد وضعف التأهيل .وعدم رغبة القطاع الخاص باستيعاب هؤلاء الخريجين. وتغنينا بمصطلح السعودة. وضربنا على وتر الوطنية. وهذه عادة استحبها البعض لاستدرار العواطف. دون الخروج بأي حل فعلي. ولكن: هل بحثنا عن تكوين قاعدة قوية لتوطين هذه الوظائف؟ أساسها الالتزام والمعرفة الجيدة؟ تكوين هذه القاعدة لايأتي إلا عندما نبحث عن أناس جيدين يؤسسون لنا جيلا جديدا يفتخر بمهنته أولاً ويلتزم بعمله ويتقنه بصورة جيدة. ولن نجد هذه الأدوات في بيئتنا. وعلينا البحث عنها في موطن الدول الصناعية. الدول التي تصدَّر لنا البشر. بنظرة بسيطة لو ابتعثنا: ودربنا فقط 5000 شخص من كل تخصص يحتاجه سوق العمل لدينا مثلا… كهرباء، ميكانيكا، إلكترونيات، فنيي أجهزة طبية ..هكذا في دول مثل الفلبين أو الهند أو الصين. سيتعلم هؤلاء الانضباط، الحرفية، واحترام المهنة، والافتخار. بها هنا ستجد أن هؤلاء الفنيين المدربين، يتخرج من تحت أيديهم أناس يفوقونهم تأهيلا، لأنك أسست قاعدة قوية تفرض نفسها بمجهودها وليس باسمها. ابتعثت الدولة خريجي الثانوية والبكالوريس للحصول على شهادات البكالوريس والماجستير في تخصصات الهندسة والطب والحاسب الآلي التي تمثل ٪20 من حاجة السوق، ولم نركز على تأهيل وابتعاث المهن الحرفية والفنية التي تمثل النسبة الكبرى من سوق العمل لدينا. إن الاستثمار الحقيقي والفرص الحقيقية للعمل وتشغيل الشباب سنجدها في المهن الفنية والحرفية. ولو أحسنا تأهيله فلن نجد عندنا بطالة. فعلاً حينها سنفتخر بأن عندنا جيلا قادرا على سعودة جميع الوظائف الفنية والحرفية. ولكن ليس بوضعنا الحالي الذي لن يفرز إلا العمالة الرديئة التي عانينا منها كثيراً وسنعاني منها مع ضغط العاطلين.